فهمَز الواو في الموضعين جميعًا؛ لأنهما جاورتا ضمة الميم قبلهما، فصارت الضمة كأنها فيهما، والواو إذا انضمت ضمًّا لازمًا فهمزها جائز، نحو: "أُقِّتَت" في "وُقِّتت"١، و"أجوه" في "وجوه"٢، ونظائر ذلك كثيرة.
وكذلك الفتحة قبل الألف في باز لما جاورتها صارت على ما ذكرنا كأنها فيها، والألف إذا حركت هُمزت على ما ذكرنا في "الضَّألِّين" و"جَأن"، فهذا وحهه.
فإن قلت: فقد حكي أيضًا جمعه بئزان بالهمز، فصارت لذلك كَرَأْل٣ ورِئْلان، فما أنكرت أن يكون ذلك لغة في الباز لا على البدل الذي رمته؟
قيل: هذا وجه يُذهب إلى مثله، لكنا لم نسمع الهمز في هذا الحرف أصلًا إلا في هذه الحكاية، والواو فيه هي الشائعة المستفيضة.
حدثنا أبو علي قال: قال أبو سعيد الحسن بن الحسين٤ يقال: بأز، وثلاثة أبواز، فإذا كثرت فهي البيزان.
وقالوا: بازٍ وبَوَازٍ وبُزاة، فباز وبزاة كغازٍ وغزاة، وهو مقلوب الأصل الأول٥، وأنشدنا لذى الرمة:

كأن على أنيابه كل سُدْقَة صياح البوازي من صريف اللوائك٦
وقالوا في تصريفه: بزا فلان يبزو إذا غلب، فكأن البازي اسم الفاعل في الأصل، ثم خص به هذا الجارح على وجه التسمية به له، كما أن الصاحب في أصله اسم الفاعل من صحب، ثم خص بالتسمية به، ونُسي أصل وصفيته.
وكما أن الوالد كذلك، فقد ترى إلى سَعَة تصرف هذا الأصل على الواو، ولم نسمع في تصرفه شيئًا من الهمز غير هذه الحكاية من هذه الجهة، على ما يقول في صاحبها. "٧و"
١ سورة المرسلات: ١١.
٢ سورة القيامة: ٢٢.
٣ الرأل: ولد النعام.
٤ هو الحسن بن الحسين بن عبيد الله العتكي المعروف بالسكري، أبو سعيد النحوي اللغوي الرواية الثقة، سمع يحيى بن معين وأبا حاتم السجستاني والرياشي وخَلْقًا، وأخذ عنه محمد بن عبد الملك التاريخي، توفي سنة ٢٧٥. بغية الوعاة: ٢١٨.
٥ انظر: الخصائص: ١/ ٧، ٨.
٦ السدفة: الظلمة، اللوائك: يريد المواضغ من الأسنان، من لاك يلوك إذا مضغ، ويُرْوَى: سحرة مكان سدفة، وضمير أنيابه للبعير المفهوم مما قبله. الديوان: ٤١٨، ورواه في الخصائص ١/ ٧: أنيابها.


الصفحة التالية
Icon