فإن فعل ذلك ففيه على هذا ضرورتان:
إحداهما: الإبدال، ولا ضرورة إليه.
والآخر١: إثبات حرف العلة في موضع الوقف، وذلك ضرورة أفحش من الأولى؛ لكثرة الإبدال على قبحه، وقلة إثبات حرف اللين في موضع الوقف؛ لكن إذا اعتقد أنه خُفف لم يكن في هذه القراءة ضرورة ألبتة، وفي هذا كافٍ.
وإذا كان "أَنبيهِم" إنما هو على التخفيف القياسي، فكأن الهمزة حاضرة لأنها هي الأصل؛ إذ كان التخفيف له أحكام التحقيق، ألا ترى إلى صحة الواو والياء في تخفيف ضوء وفيء؛ وذلك قولك: هذا ضَوٌ وفَيٌ ونَوٌ وشَيٌ، بضمة الواو والياء مع تحركهما وانفتاح ما قبلهما، وترك قبلهما ألفين لذلك يدل على أن الواو والياء لما تحركتا بحركة الهمزة المحذوفة للتخفيف كانتا لذلك في حكم الساكنين، فكما تصحان هنا سكانتين في ضوء ونوء وفيء وشيء، كذلك صحتا متحركتين في ضَوٍ ونَوٍ وشَيٍ، وعلى ذلك صحت الواو والياء أيضًا في تخفيف نحو: جَيْئَل٢ وحَوْءَب٣ إذا خَففت فقلت: جَيَل وحَوَب، فكما تكون الياء مضمومة مع التحقيق في قوله: "أَنْبِئْهُم"، فكذلك تكون مضمومة مع التخفيف في قولك: "أَنبيهُم"؛ لما بيناه من أن حكم الهمزة المخففة حكم المحققة.
وسألت أبا علي -رحمه الله- فقلت: من أجرى غير اللازم مجرى اللازم فقال: في تخفيف الأحمر: لَحْمر، أيجوز له على هذا أن يقلب الواو والياء في حَوَب وجَيَل ألفًا، فيقول: حاب وجال؟ فقال: لا، وأومأ إلى أن حكم القلب أقوى من حكم الاعتداد بالحركة في لَحمر؛ أي: فلا يبلغ في الجواز ذلك لشناعته، وهو كما ذكر.
وقد يجوز عندي في قراءة الحسن -رحمه الله- هذه أن يكون أراد "أَنبهم" كقراءته في الأخرى، إلا أنه أشبع الكسرة فأنشأ عنها ياء، فقال: "أَنْبِيهم"، كما قد يجوز ذلك في قوله: "أَلَم "١٢ظ" يَأْتِيَك"؛ فإنه أشبع الكسرة فمطها، فبلغت ياء، وعليه الرواية

١ كذا في النسختين، كأنه نظر إلى الخبر "إثبات".
٢ الجيئل: الضبع.
٣ الحوءب: الواسع من الأودية والدلاء، وانظر في الكلام عن اللفظين كتاب الخصائص: ٣/ ٩٣.


الصفحة التالية
Icon