وفيه قول لي ثالث؛ وهو أن يكون العَظايا جمع عَظَاية على التكسير، كما تقول في حمامة حمائم، فعظايا على هذا كمطايا وحوايا جمع حَوِيَّة١.
وأما قوله: الْمُنَصَّبَيْ فأراد المنصبة، فأبدل الهاء ألفًا، ثم أبدل الألف ياء على ما مضى، ولا يجوز أن يكون أراد هنا الترخيم؛ لأنه فيه لام التعريف، وما فيه هذه اللام فلا يجوز نداؤه أصلًا، فهو من الترخيم أبعد، وهذا يفسد قول من قال في قول العجاج:
أَوالِفًا مكة من وُرْقِ الْحَمِي٢
إنه أراد الحمام ثم رخم؛ لأن ما فيه لام التعريف لا يُنادى اصلًا فكيف يرخم؟ ٣
وأما قوله: هَدَرَيْ، فإنه أراد هدر، ثم أشبع الفتحة على حد قوله:
ينباع من ذِفرى غضوب جَسْرَةٍ٤
فصار هدَرَا، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف فقال: هدَرَيْ.
وكذلك قوله: قَبْقَبيْ أراد قبقب٥، ثم أشبع فصار قبقبا، وعلى هذا التخريج يسقط قول سيبويه عن يونس في قوله محتجًّا عليه بقول الشاعر:
دعوت لما نا بني مِسْوَرًا | فَلَبَّى فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْورِ٦ |
٢ قبله:
ورب هذا البلد المحرَّم | والقاطنات البيتَ غير الرُّيَّم |
٣ قال ابن جني في الخصائص ٣/ ١٣٥: "يريد الحمام، فحذف الألف فالتقت الميمان، فغير على ما ترى".
وقال الأعلم الشنتمرى "الكتاب: ١/ ٨": "ووجه آخر: أن يكون حذف الألف من زيادتها، فبقي "الحمم" وأبدل من الميم الثانية ياء استثقالًا للتضعيف، كما قالوا: تظنيت في تظننت، ثم كسر ما قبل الياء لتسلم من الانقلاب إلى الألف، فقال: الحمي".
٤ البيت لعنترة من معلقته، وبقيته:
زيافة مثل الفنيق المكرم
وضمير ينباع لعرق ناقته الذي يشبهه في البيت قبله برب أو قطران جعل في قمقم أوقدت عليه النار، فهو يترشح به عند الغليان، ويشبه رأسها بالقمقم.
والذفرى: ما خلف الأذن، والجسرة: الناقة الموثقة الخلق، والزيف: التبختر والفعل: زاف يزيف، والفنيق: الفحل من الإبل. انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني: ١٤٤، واللسان: "نبع".
٥ قبقب: هدر وصوت.
٦ يقول: دعوت مسورًا لرفع نائبة نابتني فأجابني بالعطاء فيها وكفاني مئونتها، وكأنه سأله في دية، وإنما لبى يديه لأنهما الدافعتان إليه ما سأله منه. الكتاب: ١/ ١٧٦.