ومن ذلك ما رواه ابن مجاهد عن رَوْح١ عن أبي السمال أنه قرأ: "أَوْ كُلَّمَا عَهِدُوا"٢ ساكنة الواو.
قال أبو الفتح: لا يجوز أن يكون سكون الواو في "أو" هذه على أنه في الأصل حرف عطف كقراءة الكافة: "أوَكلما"؛ من قِبَل أن واو العطف لم تُسكن في موضع علمناه، وإنما يسكن بعدها مما يُخلَط معها فيكونان كالحرف الواحد، نحو قول الله تعالى: "وَهْوَ اللَّه"٣، وقوله سبحانه: "وَهْوَ وَلِيُّهُم"٤ بسكون الهاء، فأما واو العطف فلا تسكن من موضعين:
أحدهما: أنها في أول الكلمة، والساكن لا يبتدأ به.
والآخر: أنها هنا وإن اعتمدت٥ على همزة الاستفهام قبلها فإنها مفتوحة، والمفتوح لا يسكن استخفافًا "٢٠ط" إنما ذلك في المضموم والمكسور نحو: كرْم زيد وعلْم الله، وقد مضى ذكر ذلك، فإذا كان كذلك كانت "أو" هذه حرفًا واحدًا، إلا أن معناها معنى بل للترك والتحول بمنزلة أم المنقطعة، نحو قول العرب: إنها لأبل أم شاء؛ فكأنه قال: بل أهي شاء؟ فكذلك معنى "أو" هاهنا، حتى كأنه قال: "وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ بل كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ"، يؤكد ذلك قوله تعالى من بعده: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُون﴾، فكأنه قال: "بل كلما عاهدوا عهدًا.... بل أكثرهم لا يؤمنون".
و"أو" هذه التي بمعنى أم المنقطعة -وكلتاهما بمعنى بل- موجودة في الكلام كثيرًا، يقول الرجل لمن يتهدده: والله لأفعلن بك كذا، فيقول له صاحبه: أَوْ يُحسن الله رأيك، أو يغير الله ما في نفسك؛ معناه: بل يحسن الله رأيك، بل يغير الله ما في نفسك، وإلى نحو هذا ذهب الفراء في قول ذي الرمة:
بدت مثلَ فرنِ الشمس في رَونَقِ الضُّحى | وصورتِها أو أنت في العين أملحُ٦ |
٢ سورة البقرة: ١٠٠.
٣ سورة الأنعام: ٣.
٤ سورة الأنعام: ١٢٧، وفي نسختي الأصل: وهو وليه، وما أثبتناه هو الصواب.
٥ في ك: واو اعتمدت.
٦ لم أعثر عليه في ديوانه، ، ويرويه الفراء في معاني القرآن ١/ ٧٢ غير منسوب. وانظر: الخصائص: ٢/ ٤٥٨.