قال أبو الفتح: أما إذا ضمت النون فإن قوله: "مِن أَولياء" في موضع الحال، أي: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء، ودخلت "من" زائدة لمكان النفي، كقولك: اتخذت زيدا وكيلا، فإن نفيت قلت: ما اتخذت زيدا من وكيل. وكذلك أعطيته درهما، وما أعطيته من درهم، وهذا في المفعول.
وأما في قراءة الجماعة: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ فإن قوله ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ ١ في موضع المفعول به، أي: أولياء. فهو كقولك: ضربت رجلا، فإن نفيت قلت: ما ضربت من رجل.
وقوله: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ﴾ أي: لسنا ندعي استحقاق الولاء ولا العبادة لنا.
ومن ذلك قراءة علي "عليه السلام" وعبد الرحمن بن عبد الله: "وَيُمْشَّونَ فِي الْأَسْوَاق"٢، بضم الياء، وفتح الشين مشددة.
قال أبو الفتح: "يُمشَّون" كقولك: يدعون إلى المشي، ويحملهم حامل إلى المشي، وجاء على فُعَّل لتكثير فعلهم، إذ هم "عليهم السلام" جماعة، ولو كانت "يُمشُّون" بضم الشين لكانت أوفق لقوله تعالى: ﴿لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام﴾، إلا أن معناه٣ يكثرون المشي كما قال:

يُمَشِّي بَيْنَنا حانُوتُ خَمْر منَ الخُرْسِ الصَّراصِرَةِ القطاط٤
ومن ذلك ما روي عن ابن كثير وأهل مكة: "وَنُزِّلُ الْمَلائِكَة"٥، وكذلك روى خارجة عن أبي عمرو.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون محمولا على أنه أراد: ونُنَزِّلُ الملائكة، إلا أنه حذف النون الثانية التي هي فاء فِعل نزَّل؛ لالتقاء النونين استخفافا، وشبهها بما حذف من أحد المثلين
١ سقط في ك: فإن قوله من أولياء.
٢ سورة الفرقان: ٢٠.
٣ أي: معنى "يمشون".
٤ الحانوت: الخمار. والصراصرة: نبط الشام. والقطاط: الجماد، جمع قطط بالتحريك والبيت للمتنخل الهذلي. انظر ديوان الهذليين: ٢: ٢١، واللسان "حنت، وقطط".
٥ سورة الفرقان: ٢٥.


الصفحة التالية
Icon