والآخر التاء، وهي لمثل ذلك، كرجل راوية، وعَلّامَة، ونَسّابَة، وهُذَرَة١. ولذلك٢ كثرت المَفْعَلَة فيما ذكرناه لإرادة المبالغة.
ومن ذلك قراءة سليمان التيمي: "قَالَتْ نَمُلَةٌ يَأَيُّهَا النَّمُلُ"٣.
وروي عنه أيضا: "نُمُلَة"، و"النُّمُل"، بضمهما.
قال أبو الفتح: أما النَّمُلة، بفتح النون، وضم الميم؛ فتقبلها النَّمْلَة، بفتح النون، وسكون الميم، لأن فَعُلا يخفف إلى فَعْل، كسَبُع إلى سَبْع، ورَجُل إلى رَجْل. قال:

رَجْلانِ مِنْ ضَبَّة أخْبَرَانَا إنَّا رَأَيْنَا رَجُلا عُرْيَانَا٤
فقائل هذا الشعر إما أن يكون له لغتان: رَجُل ورَجْل، وإما أن تكون لغته رَجُل بضم الجيم، فاضطر للشعر؛ فأسكن الجيم.
ألا تراه كيف جمع بين "رَجْلان" و"رَجُل"؟ ونظير "نَمُلة" "ونَمُل": سَمُرة وسَمُر، وثَمُرة وثَمُر. وكذلك القول في "نُمُلة"، لأن فُعُلا لا يخفف إلى فَعْل، إنما يخفف إلى فُعْل، كطُنُب إلى طُنْب، وعُنُق إلى عُنْق. ومنه٥ عندي: أُخِذ رجل نَمَّال: أي: نمَّام، كأنه يدب بالنميمة دبيب النملة. ونظير "نُمُلة" و"نُمُل": بُسُرة وبُسُر، بضم السين.
ومن ذلك قراءة الحسن: "لا يَحَطِّمَنَّكُم"، بفتح الياء والحاء، وتشديد الطاء والنون.
وروي عنه أيضا: "يَحِطِّمَنَّكُم"، بفتح الياء، وكسر الحاء، والتشديد.
قال أبو الفتح: أما الأصل فيهما فَيَحتَطِمَنَّكُم، يفتعل من الحطم، وهو الكسر، أي: يقتلنكم. وآثر إدغام التاء في الطاء لقرب مخرجيهما؛ فأسكنها، وأبدلها طاء، وأدغمها في الطاء بعدها، ونقل الفتحة من التاء إلى الحاء، فقال: "يَحَطِّمَنَّكُم".
ومن كسر الحاء فإنه لما أسكن التاء للإدغام كسر الحاء، لسكونها وسكون التاء بعدها
١ هذرة: كثير الهذر، وهو الخطأ والباطل، والفعل كفرح.
٢ في ك: ولهذا.
٣ سورة النمل: ١٨.
٤ انظر المحتسب: ١: ١٠٩.
٥ أي في الاشتقاق والرجوع إلى الأصل، لا في الوزن كما لا يخفى.
٦ سورة النمل: ١٨.


الصفحة التالية
Icon