مصدرا كالكذب والضحك، وإما أن يكون صفة لمصدر محذوف، أي تكذبون كذبا أفِكا، ثم١ حذف المصدر، وأقيمت صفته مقامه، كقولك: قمت مثل ما قام زيد، أي: قياما مثل قيام زيد. وأذهب في الحذف -على هذا الحد- منه قول الله تعالى: ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ ٢ أي: شُربًا مثل شُربِ الهيم [١٢٤و] لأنه حذف فيه مع الموصوف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. و"أَفِك" على هذا صفة، كبَطِر، وأَشِر، ويجوز أن يكون محذوفا من "آفك"، وهو اسم الفاعل من أفك يأفِك إفكا: إذا كذب. وأفكته آفكه إفكا: إذا صرفته عن الشيء، وهو مأفوك. قال:
إنْ تَكُ عن أَحْسَنِ الْمُرُوءة مأ... فُوكًا فَفِي آخِرينَ قد أُفِكُوا٣
إلا أن الألف حذفت، كما حذفت في بَرِد وعَرِد، يريد باردا وعاردا٤. وقد مضى ذكره.
ومن ذلك قراءة الزهري: "أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يَبْدَا اللَّهُ الْخَلْقَ"٥، بغير همز.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون أراد بغير همزة محققة٦، بل هي مخففة، فقربت من الساكن إلا أنها مضمومة؛ لأنها مخففة في وزن المحققة. ولو كان بدلا محضا لقال: "يبدا"، فقلبها ياء، ثم أبدل من الياء ألفا، أجراها مجرى ألف يخشى، كما أنه لما أبدلها الشاعر فيما أنشده أبو علي عن أبي زيد:
٢ سورة الواقعة: ٥٥.
٣ البيت لعروة بن أذينة. يقول: إن لم توفق للإحسان فأنت في قوم قد صرفوا عن ذلك أيضا. وانظر اللسان "أفك".
٤ يشير إلى قوله:
أصبح قلبي صردا... لا يشتهي أن يردا
إلا عرادا عردا... وصليانا بردا
وعنكثا ملتبدا
وانظر الصفحة ١٧١ من الجزء الأول.
٥ في ك: ﴿يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾.
٦ في ك: مخففة، وهو تحريف.