ومن ذلك قراءة أبي السمال: "أُفُّ" مضمومة غير منونة، وقرأ: "أُفَ١" خفيفة -ابن عباس. قال هارون٢ النحوي: ويقرأ: "أَفٌّ"، ولو قرئت "أَفًّا" لكان جائزا، ولكن ليس في الكتاب ألف.
قال أبو الفتح: فيها ثماني لغات: أُفِّ، وأُفٍّ، وأُفَّ، وأُفًّا، وأُفُّ، وأُفٌّ، وأُفى، ممال. وهي التي يقول لها العامة: أُفِّي، بالياء. وأُفْ خفيفة ساكنة.
وأما "أُفَ" خفيفة مفتوحة فقياسها قياس ربَ خفيفة مفتوحة، وكان قياسها إذا خففت أن يسكن آخرها؛ لأنه لم يلتق فيها ساكنان فتحرك، لكنهم بقَّوا الحركة مع التخفيف أمارة ودلالة على أنها قد كانت مثقلة مفتوحة، كما قال: لا أكلمك حِيرِي دهر٣، فأسكن الياء في موضع النصب في غير ضرورة شعر، لأنه أراد التشديد في حيري دهر، فكما أنه لو أدغم الياء الأولى في الثانية لم تكن إلا ساكنة فكذلك إذا حذف الثانية تخفيفا أقر الأولى على سكونها دلالة وتنبيها على إرادة الإدغام الذي لابد معه من سكون الأولى.
هذا هنا كذاك ثمة، وقد مر بنا مما أريد غير ظاهره، فجعل كأنه هو المراد به -كثير نحو من عشرة أشياء، وفي هذا مع ما نحن عليه من الإنجاز وتنكب الإكثار كاف بإذن الله.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وعروة بن الزبير في جماعة غيرهما: "جَنَاحَ الذِّلِّ٤".
قال أبو الفتح: الذِّلِّ في الدابة: ضد الصعوبة، والذُّلِّ للإنسان، وهو ضد العز. وكأنهم اختاروا للفصل بينهما الضمة للإنسان والكسرة للدابة؛ لأن ما يلحق الإنسان أكبر قدرا مما يحلق الدابة، واختاروا الضمة لقوتها للإنسان، والكسرة لضعفها للدابة. ولا تستنكر مثل هذا ولا تنبُ عنه؛ فإنه من عَرَفَ أَنِسَ، ومن جَهِلَ استوحش. وقد مر من هذا ما لا يحصى كثرة.

١ سورة الإسراء: ٣٢، وفي ك: أف "بضمتين على الفاء" وهو تحريف.
٢ لعله هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور العتكي البصري الأزدي مولاهم، كان علامة صدوقا نبيلا، له قراءة معروفة. روى القراءة عن عاصم الجحدري وعاصم بن أبي النجود وغيرهما، وروى القراءة عنه علي بن نصر ويونس بن محمد المؤدب وغيرهما. وكان أول من سمع بالبصرة وجوه القراءات وألفها وتتبع الشاذ منها، فبحث عن إسناده. قال ابن الجزري: مات هارون -فيما أحسب- قبل المائتين. طبقات القراء: ٢: ٣٤٨.
٣ لا أكلمك حيري دهر: مدة الدهر.
٤ سورة الإسراء: ٢٤.


الصفحة التالية
Icon