ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب "عليه السلام": "مِنْ بَعْثِنَا"١.
قال أبو الفتح: أي: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، كقولك: يا ويلي مِن أخْذِكَ مني مالي، فـ "مِنْ" الأولى متعلقة بالويل، كقولك: يا تَأَلُّمِي منك.
وإن شئت كانت حالا من "وَيْلَنَا"؛ فتعلقت بمحذوف، حتى كأنه قال: يا ويلنا كائنا من بَعْثِنا. وجاز أن يكون حالا منه، كما يجوز أن يكون خبرا عنه، كقول الأعشى:
وَيْلِي عَلَيْكَ وَوَيْلِي مِنكَ يا رَجُل٢
وذلك أن الحال ضرب من الخبر.
وأما "من" في قوله تعالى: ﴿مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ فإنها متعلقة بنفس البعث، كقولك: سرني بعثك من بلدك إليّ.
ومن ذلك قراءة ابن أبي ليلى: "يَا وَيْلَتَا"١، بزيادة تاء.
قال أبو الفتح: هو تأنيث الويل، فويلة كقولة، ومثله: ﴿يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾ ٣، وأصلها: يا ويلتي، فأبدلت الياء ألفا؛ لأنه نداء، فهو في موضع تخفيف، فتارة تحذف هذه الياء كقولك: يا غلامِ، وأخرى بالبدل كقولك: يا غلامَا. قال:
يا أبَتَا عَلّك أو عساكا٤
قإن قلت: فكيف قال: "يَا وَيْلَتَا"، وهذا لفظ الواحد وهم جماعة، ألا ترى أن
٢ صدره:
قالت هريرة لما جئت زائرها
وانظر الديوان: ٥٧.
٣ سورة هود: ٧٢.
٤ للعجاج يمدح الحارث بن سليم الهجيمي. وقبله:
تقول بنتي: قد أنى أناكا
وأنى: قرب، والأنى: الوقت. وأنى أناك: حان وقت رحيلك إلى من تأمل حباءه. وخبر علك محذوف. وينكر ابن الأعرابي أن يكون ما قبل الشاهد: تقول بنتي.. في خلاف طويل، تجده في الخزانة: ٢: ٤٤١، والشاهد في متفرقات الديوان مع أرجوزته: ٨٥، وانظر الكتاب: ١: ٣٨٢، ٢: ٢٩٩.