مع ذلك لم يقع، ولا يقع فهذا طريق قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ ؛ لأن لفظه لفظ الشك، وإن لم يكن هناك استعتاب لهم أصلا. ألا ترى إلى قوله في الآية الأخرى: ﴿فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ؟ ١﴾.
ومن ذلك قراءة بكر بن حبيب السهمي: "وَالْغَوْا فِيه"٢، بضم الغين.
قال أبو الفتح: اللغو اختلاط القول في تداخله، يقال منه: لغا يلغو، وهو لاغ. ومنه الحديث: من قال في الجمعة: صه فقد لغا٣، يراد بذلك توقيرها وتوفيتها حقها من الخشوع والإخبات٤ فيها، أي: فهو بمنزلة من أطال الكلام وخلط فيه. وفي الحديث أيضا: إياكم وملغاة أول الليل، أي: كثرة الحديث. فهذا كالحديث المرفوع: خرج علينا عمر، فجدب لنا السمر٥، أي: عابه.
ونحو منه قول الله "سبحانه": ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ٦﴾، وقوله: و ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ٧﴾، أي: بالباطل، فهو راجع إلى هذا؛ لأن كثرة القول مدعاة إلى الباطل، وقوله "تعالى": ﴿لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً ٨﴾ يحتمل أمرين:
أحدهما كلمة لاغية.
والآخر أن يكون مصدرا، كالعاقبة، والعافية، أي: لا يسمع فيها لغو، وهذا أقوى من الأول؛ لأن في ذلك إقامة الصفة مقام الموصوف، وهذا غير مستحسن في القرآن.
٢ سورة السجدة: ٢٦.
٣ نصه في اللسان "لغا": من قال يوم الجمعة والإمام يخطب لصاحبه: صه فقد لغا.
٤ الأخبات: الخشوع والتواضع.
٥ عبارته في اللسان "جدب": جدب لنا عمر السمر بعد عتمة.
٦ سورة الفرقان: ٧٢.
٧ سورة القصص: ٥٥، وفي هامش نسخة الأصل: في الأصل: مروا باللغو.
٨ سورة الغاشية: ١١.