حتى كأنهم لم يسمعوا أن هذا ونحوه مما لا يجوز مع الانفصال، وأنه أمر يختص به المتصل. فاستدل صاحب الكتاب١ على أنه إخفاء بقولهم: اسمُ مُوسى وابنُ نُوح، قال: فلو كان إدغام لوجب تحريك سين "اسم" وباء "ابن"، ولو تحركتا لإدغام ما بعدهما لسقطت ألف الوصل من أولهما، وهذا واضح.
وإذا جاز مثل هذا على قطرب مع تخصصه حتى جرى في بعض ألفاظه فالقراء بذلك أولى، وهم فيه أظهر عذرًا. وقد ذكرنا ذلك فيما مضى، وإنما هي "بِوِرقِكُم"، بإخفاء كسرة القاف، كأنه يريد الإدغام تخفيفا ولا ويبلغه.
وحكى أبو حاتم -فيما روينا عنه- أن ابن محيصن قرأ: "بِوَرِقكُّمْ٢" مدغمة، ولم يحك قراءة أبي رجاء بالإدغام، وهذا لا نظر في جوازه.
ومن ذلك قراءة الجحدري: "تَزْوارُّ٣".
قال أبو الفتح: هذا افْعالَّ وتَزَاوَرُ تَفَاعَلُ وقلما جاءت افعالّ إلا في الألوان، نحو: اسوادّ وابياضّ واحمارّ واصفارّ، أو العيوب الظاهرة، نحو: احولّ واحوالّ واعورّ واعوارّ واصيدّ واصيادّ٤. وقد جاءت افعالّ وافعلّ، وهي مقصورة من افعالّ- في غير الألوان، قالوا: ارعوى وهو افعلّ، وافتوى أي: خدم، وساس. قال يزيد بن الحكم:
تبدَّل خليلا بي كشكلك شكلُه... فإني خليلا صالحا بك مُقْتَوِي٥
فمقتو مفتعل من الفتو، وهو الخدمة. قال:
إني امرؤ من بني خُزَيمة لا... أحسن قتوَ الملوكِ والحفَدَا٦
٢ قال في البحر "٦: ١١": وقرأ أبو رجاء بكسر الواو وإسكان الراء وإدغام القاف في الكاف... ، وعن ابن محيصن أيضا كذلك، إلا أنه كسر الراء ليصح الإدغام. ا. هـ فكأن الذي يذكره أبو الفتح هنا عن ابن محيصن وجه آخر، فيه الواو مفتوحة.
٣ سورة الكهف: ١٧.
٤ إصابة الصيد، ويقال: بعير أصيد، وبه صيد، وهو داء بالعنق لا يستطيع أن يلتفت معه.
٥ انظر الأمالي: ١: ٦٨، والخزانة: ١: ٤٩٦، والخصائص ٢: ١٠٤.
٦ روي الخبب مكان الحفد. والخبب: الخبث وقيل أراد به مصدر خب بمعنى عدا. والحفد: مصدر حفد كضرب، أي: خدم، ثم حرك الفاء من سكون، وانظر الخصائص ٢: ١٠٤، واللسان: "قتا، وخب".