أي: تعدي فوارسنا خيلهم عن كذا، فحذف المفعول بعد المفعول. وتعديها١ من عدا الفرس، كقولنا: جرى، وعلى أن أصلهما واحد، لأن الفرس إذا عدا فقد جاوز مكانا إلى غيره.
ومن ذلك قراءة عمرو بن فائد: "مَنْ أَغْفَلَنَا قَلْبُهُ٢".
قال أبو الفتح: يقال: أغفلْتُ الرجل: وجته غافلا، كقول عمرو بن معد يكرب: والله يا بني سليم لقد قاتلناكم فما أجبنَّاكُمْ، وسألْنَاكم فما أبخلْناكم، وهاجيْناكُم فما أفحمْناكُم، أي: لم نجدْكُم جبناء، ولا بخلاء، ولا مفحَمِين. وكقول الأعشى:

أثْوَى وقَصَّرَ ليلَةً لِيُزَوَّدَا فَمَضَى وَأَخْلَفَ من قُتَيْلَةَ مَوْعَدَا٣
أي صادفه مُخْلِفًا. وقال رؤبة:
وَأَهْيَجَ الخَلْصَاءَ مَنْ ذَاتِ البُرَقْ٣
أي صادفها هائجة النبت. وقال الآخر:
فَأَتْلَفْنا المَنَايا وأَتْلَفُوا٤
أي: صادفناها مُتْلِفَةً.
فإن قيل: فكيف يجوز أن يجدَ اللهَ غافلا؟ قيل: لَمّا فَعَلَ أفعالَ من لا يرتقبُ ولا يخافُ صار كأن الله سبحانه غافل عنه، وعلى هذا وقع النفي عن هذا الموضع، فقال: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون ٥﴾، أي: لا تظنوا الله غافلا عنكم. وقال تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٦﴾، وقال تعالى: ﴿وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظ ٧﴾، ونحو هذا في القرآن كثير، فكأنه قال: ولا تُطِعْ مَنْ ظَنَّنَا غافِلِينَ عنه.
١ في ك: وتعدي.
٢ سورة الكهف: ٢٨.
٣ انظر المحتسب: ١: ١٤٠.
٤ انظر المحتسب: ١: ١٣٩.
٥ وردت في الآية: "٧٤" من سورة البقرة، وفي مواطن أخرى من القرآن المجيد، وفي ك: "يعملون" بالياء، وهي في الآية: ١٤٤ من البقرة، والآية: ١٣٢ من الأنعام.
٦ سورة الجاثية: ٢٩.
٧ سورة ق: ٤، وفي الأصل: "ولدينا" مكان وعندنا، وهي من قوله تعالى: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾ في الآية: ٦٢ من سورة المؤمنون.


الصفحة التالية
Icon