قال أبو الفتح: أما "أرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ"
فجعلها رميما، رمت هي واسترمت، وأرمها غيرها، ورم العظم يرم رما ورميما: إذا بلى، ونخر. قال:

والنيب إن تعرمني رمة خلقا بعد الممات فإني كنت أثئر١ [١٦٦ظ]
وأما "أرم" فتخفيف أرم المروية عن ابن الزبير.
وأما "بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ" فأضاف "عاد" إلى "إرم"، المدينة التي يقال لها: ذات العماد، أي: أصحاب الأعلام هذه المدينة، والأرم: العلم، وجمعه آرام. قال لبيد:
مثلا آرامها٢
أي: أعلامها.
وقوله تعالى: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ تفسير لقوله: فعل بعاد، فكأن قائلا قال: ما صنع بها؟ فقال: "إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ
"، أي: مدينتهم، وهذا يدل على هلاكهم.
وأما "بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ" فعلى أنه أراد: أهل أرم، هذه المدينة، فحذف المضاف وهو يريده، كما مضى من قوله: ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب ٣﴾، أي: زينة الكواكب.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وعكرمة والضحاك وأبي شيخ الهنائي والكلبي وابن السميفع: "فَادْخُلِي فِي عِبْدِي٤"، على واحد.
١ البيت للبيد، والنيب: الإبل المسنة. وتعرمني: من عرم العظم، كنصر وضرب: عرق ما عليه من اللحم. والرمة: العظام البالية، تأكلها الإبل، تملح بها بعد الخلة. وأثئر: افتعل من النار، والمراد أني كنت اعقرها. انظر الديوان: ٦٣، وفي "تعرمني" روايتان أخريتان، ذكرهما اللسان "عرا".
٢ من قوله في المعلقة:
زجلا كأن نعاج توضح فوقها وظباء وجرة مثلا آرامها
والزجل الجماعات، جمع زجلة، ونصبها على الحال من فاعل "تحملوا" في بيت سابق. والنعاج: أناث بقر الوحش، شبه بهن النساء، وتوضح ووجرة: موضعان. والآرام: جمع رئم، وهو الظبي الخالص البياض. ويروى "عطفا" مكان "مثلا". وانظر الديوان: ٣٠٠، وشرح المعلقات السبع للزوزني: ٩٥.
٣ سورة الصافات: ٦.
٤ سورة الفجر: ٢٩.


الصفحة التالية
Icon