الهمزة بعد الألف فظنها القراء ألفا ساكنة مدة، إلا أن قوله: مثل ألجأها يشهد لقراءة الجماعة: ﴿فَأَجَاءَهَا﴾. وقد يمكن أن يكون أراد مثل: أجاءها إذا أبدلت همزته ألفا فيكون التشيبه لفظيا لا معنويا.
ومن ذلك قراءة محمد بن كعب١ وبكر بن حبيب السهمي٢: "نَسْئًا"٣، بفتح النون مهموزة؟
قال أبو الفتح: قال أبو زيد نسأت اللبن أنسؤه نسئا، وذلك أن تأخذ حليبا فتصب عليه ماء، واسمه النسء والنسيء، وأنشد:

سَقُونِي نَسْئًا قَطَعَ الماءُ مَتْنَهُ يُبِيلُ على ظَهْرِ الفِرَاشِ ويُعْجِلُ
فتأويل هذه القراءة -والله أعلم- يا ليتني مِتُّ قبل هذا، وكنت كهذا اللبن المخلوط. بالماء في قلته وصغارة حاله، كما أن قوله: "وَكُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا"٤، أي: كنت كالشيء المحقر ينساه أهله، ونَزَارَة٥ أمره.
ومن ذلك قراءة مسروق: "يُسَاقِطْ"٦، بالياء خفيفة.
١ هو محمد بن كعب بن سليم بن عمرو وأبو حمزة، ويقال: أبو عبد الله القرظي، تابعي. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلمن وقيل: رآه. ونزل الكوفة، ثم رجع إلى المدينة. روى عن عائشة وأبي هريرة وغيرهما. وردت عنه الرواية في حروف القرآن. قال عون بن عبد الله: ما رأيت أحد أعلم بتأويل القرآن من القرظي. توفي سنة ١٠٨، وقيل غير ذلك. طبقات القراء: ٢: ٢٣٣.
٢ بكر بن حبيب السهمي: هو والد عبد الله المحدث، كان عالما بالعربية في طبقة أبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر. وهو أكبر من الخليل، ولم يكن له شهرته. والسهمي نسبة إلى سهم بن عمرو بن ثعلبة، بطن من باهلة. وانظر إنباه الرواة: ١: ٢٤٤.
٣ سورة مريم: ٢٣.
٤ قال في البحر "٦: ١٨٣": وقرأ الجمهور بكسر النون، وهو فعل بمعنى مفعول، كالذبح، وهو ما من شأنه أن يذبح وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش وابن أبي ليلى وحمزة وحفص بفتح النون.
٥ الظاهر أن الأصل: لحقارته ونزارة أمره.
٦ سورة مريم: ٢٥، ويكون ضمير "يساقط" للجذع، كما في البحر "٦: ١٨٥".


الصفحة التالية
Icon