قال:

نَضَوْنَ عَنِّي شِرَّةً وَأَدَّا مِنْ بَعْدِ مَا كُنْتُ صَمُلًّا نَهْدَا١
فهو إذًا حذف المضاف، فكأنه قال: لقد جِئْتُم شيئا ذا أدٍّ، أي: ذا قوة. فهو كقولهم رجل زَوْر٢ وعَدْل وضَيْف، تصفه بالمصدر إن شئت على حذف المضاف، وإن شئت على وجه آخر أصنع من هذا وألطف، وذلك أن تجعله نفسه هو المصدر للمبالغة، كقول الخنساء:
تَرْتَعُ مَا غَفَلَتْ حَتَّى إِذَا ادَّكَرَتْ فإنما هِيَ إقبالُ وإدبارٌ٣
إن شئت على ذات إقبال وإدبار، وإن شئت جعلتها نفسها هي الإقبال والإدبار، أي: مخلوقة منهما: ويدلك على أن هذا معنى عندهم لا على حذف المضاف، بل لأنهم جعلوه الحدث نفسه قولهم، أنشدناه أبو علي:
ألّا أصبحَتْ أسماءُ جَاذِمَةَ الْحَبْلِ وَضَنَّتْ عَلَيْنَا وَالضَّنِينُ مِنَ الْبُخْلِ٤
أي: هو مخلوق من البخل، ولا تحمله على القلب، أي: والبخل من الضنين؛ لصغر معناه إلى المعنى الآخر، ولأنه مع ذلك أيضا نزول عن الظاهر وأنشدنا أيضا.
وَهُنَّ مِنَ الإخْلافِ قَبْلَكَ وَالْمُطْلِ٥
وأنشدنا أيضا:
وَهُنَّ مِنَ الإخْلافِ وَالْوَلَعانِ٦
ويكفي من هذا كله قول الله "سبحانه": ﴿خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ ٧، أي من العَجَلَة، لا من الطين كما يقول قومٌ؛ لقوله: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ ٨.
١ الشرة: النشاط والحدة. والصمل: الشديد الخلق من الناس والإبل والجبال والنهد: المشرف الجسيم.
٢ رجل زور: زائر.
٣ انظر ص٤٣ من هذا الجزء. وفي الأصل: وترتع، وصوابها: ترتع.
٤ البعيث. وجذم حبل الوصال: قطعه. والضنين: البخيل. وانظر اللسان "ضن، وجذم". والخصائص: ٢٠٢، ٣: ٢٥٩.
٥ رواه ابن جني في التمام: "١٤٣" كما هنا ولم ينسبه، إلا أن فيه بعدك مكان قبلك، ورواه في الخصائص: "٢: ٢٠٣" كما هنا.
٦ صدره:
لِخَلّابَةِ الْعَيْنَيْنِ كَذّابَةِ الْمُنَى
وانظر اللسان "ولع"، والخصائص: ٢: ٢٠٣
٧ سورة الأنبياء: ٣٧.
٨ بقية الآية السابقة.


الصفحة التالية
Icon