ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد: "لَعِبْرَةً تَسْقِيكُمْ"١.
قال أبو الفتح: ليس قوله: "تَسقيكم" صفة، لعبرة كقولك: لعبرة٢ ساقية. ألا ترى أنه ليست العبرة الساقية، إنما هناك حض وبعث على الاعتبار بسقياها لنا أو بسقيا الله "سبحانه" إيانا منها؟ فالوقف إذًا على قوله: "لعبرة"، ثم استأنف "تعالى" تفسير العبرة، فقال: "تسقيكم" هي، أو ﴿نُسْقِيكُمْ﴾ نحن "مِمَّا فِي بُطُونِهَا". وقوله: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ﴾ أحد ما يدل على قوة شبه الظرف بالفعل. ألا تراه معطوفا على قوله: ﴿نُسْقِيكُمْ﴾ ؟ والعطف نظير التثنية، والتثنية تقتضي تساوي حال الاسمين وتشابههما. ومثله في ذلك٣ قول الآخر أخبرنا به أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد٤ بن يحيى ثعلب:
زَمَانَ عَلَيَّ غُرابٌ غُدافٌ | فَطَيَّرهُ الشيْبُ عَنِّي فَطَارَا٥ |
ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ ٦، فوجود معنى الشرط في الظرف أقوى دليل على قوة شبهه بالفعل؛ لأن الشرط لا يصح إلا به. وسوغ ذلك أيضا أن قوله: "تَسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا" في معنى قوله: لكم في بطونها سقيا، ولكم فيها منافع.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر والثقفي: "هَيْهَاتِ هَيْهَاتِ"٧، بكسر التاء غير منونة.
وقرأ: "هَيْهَاتٍ هَيْهَاتٍِ" عيسى بن عمر:
وقرأ: "هَيْهَاتٌ هَيْهَاتٌ" رفع منون -أبو حيوة.
وقرأ: "هَيْهَاتْ هَيْهَاتْ" مرسلة التاء٨ عيسى الهمداني، ورويت عن أبي عمرو.
١ سورة المؤمنون: ٢١.
٢ في ك: عبرة.
٣ في ك: ومثله قول الآخر.
٤ في ك: يحيى بن أحمد، تحريف.
٥ لأبي حية النميري. وقبله:
والغداف: الأسود، وأصله الشعر الطويل الأسود. يريد أن شعره كان أسود زمن الشباب، وأن الشيب أزال سواده. وانظر الخصائص: ١: ١٠٧، واللسان: "غرب".
٦ سورة النحل: ٥٣.
٧ سورة المؤمنون: ٣٦.
٨ يريد مفتوحتها.
٢ في ك: عبرة.
٣ في ك: ومثله قول الآخر.
٤ في ك: يحيى بن أحمد، تحريف.
٥ لأبي حية النميري. وقبله:
زمان الصبا، ليت أيامنا | وجعن لنا الصالحات القصارا |
٦ سورة النحل: ٥٣.
٧ سورة المؤمنون: ٣٦.
٨ يريد مفتوحتها.