جميعاً على علو الهمة، وعلى عزة النفس، فقال عليه الصلاة والسلام: "اليدُ العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة"١.
ويُعجبني بهذه المناسبة مما كنت قرأته فيما يتعلق ببعض الزهاد من الصوفية - ولا أطيل في ذلك، فقصصهم كثيرة وعجيبة -:
زعموا أن أحدهم خرج سائحاً ضارباً في الأرض بغير زاد، فوصل الأمر إلى أنه كاد أن يموت جوعاً، فبدت له من بعيد قرية، فأتى إليها، وكان اليوم يوم الجمعة، وهو بزعمه خرج متوكلاً على الله، فلكيلا ينقض بزعمه توكله المزعوم، لم يظهر شخصه للجمهور الذي في المسجد، وإنما انطوى على نفسه تحت المنبر، لكيلا يشعر به أحد، لكنه كان يحدث نفسه لعل أحداً يُحس به، وهكذا خطب الخطيب خطبته، وهو لم يُصل مع الجماعة! فبعد أن انتهى الإمام من الخطبة والصلاة، وبدأ الناس يخرجون زرافات ووحداناً من أبواب المسجد، حتى شعر الرجل بأن المسجد كاد يخلو من الناس، وحينئذٍ تُقفل الأبواب، ويبقى وحيداً في المسجد من غير طعام ولا شراب، فلم يسعه إلا أن

١ البخاري "١٤٢٩" واللفظ له، مسلم "١٠٣٣".


الصفحة التالية
Icon