أما السؤال الآخر وهو لماذا جاءت (قبلُ) بالضم؟ هذه تسمى الظروف المقطوعة (قبل وبعد وما جرى مجراها) قبلُ هنا ظرف زمان لكن الظروف المقطوعة لا تنحصر في الزمان (الظروف: فوق وتحت وما جرى مجراها مثل من فوق ومن تحت ومن قبل ومن بعد). إذا حذف المضاف إليه ونُويَ معناه نقول (من قبلُ). عندنا أن يذكر المضاف إليه كما في قوله (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ (١٠) الحديد) هذا مُعرَب والمضاف مذكور. وعندنا أن يحذف المضاف إليه وينوى معناه (من قبلُ)، وعندنا أن يحذف المضاف إليه ولا ينوى معناه يصير نكرة (من قبلٍ) ليس هناك مضاف إليه أصلاً كنكرة من النكرات فننوّن هنا ويكون ظرفاً مجروراً بالكسرة (كجلمود ضخر حطّه السيل من علِ). قد يحذف وينوى لفظه فيحذف التنوين كأنه موجود. هذا أن يحذف المضاف إليه وينوي معناه تقصد هنالك زمن محدد يعلمه المخاطَب هذا من المعارف. هذه هنا (من قبلُ) لما تحذف المضاف إليه وتنوي معناه ستبنيه على الضمّ فيصبح معرفة وليس نكرة لأنك تنوي زمناً معلوماً للمخاطَب لذلك قالوا سقط من علُ فُهم أنه من علو معلوم، سقط من علِ أي سقط من مكان عالٍ لا نعرف ارتفاعه لذا قال (حطّه السيل من علِ) أي من مكان مرتفع لم يقصد مكاناً معيناً. (من قبلُ) من زمن يعلمه المخاطَب ولديه فكرة عنه. (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ) أي من قبلهم، من قبل الكتاب عليهم. إذا كانت مبنية على الضم تدل على أمر معين زمن أو مكان وإعرابها مبني على الضم في محل جرّ. قوله تعالى (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ (١٠) الأحزاب) (من أسفلَ) هذا ليس فيه حذف وإنما هو ممنوع من الصرف. الظروف المقطوعة أي مقطوعة للإضافة.
سؤال من المقدم: آخر الآية قال تعالى (وكثير منهم فاسقون) نقف عند (كثير) وفي مواطن أخرى استخدم إسم التفضيل (أكثر) فلماذا استخدم هنا كثير؟