بعبده: لم يقل برسوله ولا بمحمد وإنما قال بعبده. الإختيار لكلمة (بعبده) له جملة معاني أولها: أن الإنسان مهما عظُم لا يعدو أن يكون عبداً لله تعالى لا ينبغي لأحد أن يدّعي مقاماً ليس للآخرين وحتى لا يًعظّم أكثر مما ينبغي (كما فعل النصارى بعيسى - عليه السلام -) فاختيار كلمة عبد حتى لا يُدعى له مقام غير مقام العبودية. فمقام العبودية لله هو أعلى مقام للخلق وأعلى وسام يُنعم الله تعالى به على عباده الصالحين تماماً كما وصفت الآيات نوح - عليه السلام - (إنه كان عبداً شكورا) وأيوب (نعم العبد إنه أوّاب) والرسول - ﷺ - (وإنه لمّا قام عبد الله يدعوه). والعبودية نوعان: قسرية واختيارية، فالعبودية القسرية تتحقق شاء أم أبى (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) سورة مريم أما العبودية الإختيارية فهي أعلى مقام العبودية ولمّا ذُكر موسى - عليه السلام - ذكره الله تعالى باسمه وأعلى مقام لموسى كان في المناجاة (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) إلى قوله (خرّ موسى صعقا) لم يكن ليقل خرّ عبدنا موسى أو جاء عبدنا موسى فلا يجوز أن ينسب العبودية له ثم يخرّ صعقاً هذا لا يحدث ولا يجوز أصلاً، أما الرسول - ﷺ - عندما ذكر بصورة العبودية أعقبها أنه عُرِج به إلى السماء وإلى سدرة المنتهى وخاطبه ربه بمقام لم يصل إليه أحد إلاّ هو - ﷺ - فلذا كان استعمال كلمة (بعبده) دلالة على زيادة التشريف له - ﷺ - والباء أيضاً إضافة تشريف وهي تدلّ على الرعاية والحفظ مثل قوله تعالى (فأوحى إلى عبده).