وقال: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥) الحجر) أي لو مكنّاهم من الصعود إلى السماء لانتهوا إلى ظلام وقالوا :( سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ) وغير ذلك وغيره.
وعلى هذا فالإعجاز القرآني متعدد النواحي ؛ متشعب الاتجاهات ولا يزال الناس يكتشفون من مظاهر إعجازه الشيء الكثير فلا غرو أن أقول إذن أن الإعجاز أكبر مما ينهض له واحد أو جماعة في زمن ما.
إن التعبير الواحد قد ترى فيه إعجازاً لغوياً جمالياً وترى فيه في الوقت نفسه إعجازاً علمياً أو إعجازاً تاريخياً أو إعجازاً نفسياً أو إعجازاً تربوياً أو إعجازاً تشريعياً أو غير ذلك.
فيأتي اللغوي ليبيّن مظاهر إعجازه اللغوي وأنه لا يمكن استبدال كلمة بأخرى ولا تقديم ما أُخّر ولا تأخير ما قُدّم أو توكيد ما نُزع منه التوكيد أو عمد توكيد ما أُكّد. ويأتيك العالم في التشريع ليقول مثل ذلك من وجهة نظر التشريع والقانون ويأتيك المؤرخ ليقول مثل ذلك من وجهة نظر التاريخ، ويأتيك صاحب كل علم ليقول مثل ذلك من وجهة نظر علمه.
إننا ندل على شيء من مواطن الفن والجمال في هذا التعبير الفني الرفيع ونضع أيدينا على شيء من سُمو هذا التعبير ونبيّن إن هذا التعبير لا يقدر على مجاراته بشر بل ولا البشر كلهم أجمعون، ومع ذلك لا نقول إن هذه هي مواطن الإعجاز ولا بعض مواطن الإعجاز وإنما هي ملامح ودلائل تأخذ باليد وإضاءات توضع في الطريق، تدل السالك على أن هذا القرآن كلام فني مقصود وُضع وضعاً دقيقاً ونُسج نسجاً محكماً فريدا، لا يشابهه كلام، ولا يرقى إليه حديث (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤) الطور).


الصفحة التالية
Icon