تكرار ما في قوله تعالى (ما ضلّ صاحبكم وما غوى): وهذا حتى لا يُتصوّر أنه نفى الجمع بينهما فقط وإنما نفى الجمع بينهما والإفراد. ما ضلّ صاحبكم وما غوى تعني نفي الضلالة والغواية معاً أو كل منهما على حدة. أما القول ما ضلّ صاحبكم وغوى فهي تفيد النفي بالجمع بين الصفتين. وهذا من باب الإحتياط للمعنى نفاهما على سبيل الجمع والإفراد ومعناه أنه - ﷺ - اهتدى ورشد فهو مهتد رشيد. إذن لماذا لم يقل (هدى ورشد) بدل ما ضلّ وما غوى؟ لو قال اهتدى قد يكون في وقت من الماضي أو لفترة زمنية محددة قد تفيد أنه قد يكون قبل الهداية ضالاً لكنه - ﷺ - مهتد رشيد لم يسبق له ضلالة (ما ضلّ صاحبكم وما غوى) تفيد أنه مهتد رشيد لم يسبق له ضلالة في أي وقت وزمن كان.
وما ينطق عن الهوى: أولاً نفى الفعلين السابقين بالماضي (ما ضلّ وما غوى) وهنا نفي بالمضارع يفيد الإستمرار والحاضر فلو قال (ما نطق عن الهوى) لاحتمل المعنى أنه نفى عنه الهوى في الماضي فقط ولم ينفه عنه فيما يستقبل من نُطقه. فقد نفى تعالى عن رسوله - ﷺ - الضلال والغواية في الماضي كله ونفى عنه الهوى في النطق في الحاضر والمستقبل فهو إذن - ﷺ - منفيّ عنه الضلال والغواية في السلوك وفيما مضى وفي المستقبل.
ما دلالة الحرف عن في قوله (وما ينطق عن الهوى)؟ فالنطق عادة يكون بالباء (كتابنا ينطق بالحقّ) أما هنا فجاءت (عن) ومعناها ما ينطق صادراً عن هوى يعني إن الدافع للنطق ليس من هوى وهو بمنزلة تزكية للنفس القائلة لأن الإنسان قد ينطق بالحق لكن عن هوى (حق أريد به باطل) يعني الدافع هوى (ناطق عن هوى). وهكذا زكّى الله تعالى رسوله - ﷺ - بتزكية الدافع للقول فالدافع له زكي صادق ونطقه صادق أيضاً وعليه جاءت الآية (وما ينطق عن الهوى).


الصفحة التالية
Icon