وفي آية سورة المائدة (إنّ) تفيد التوكيد عندما تذكر أمر مرفوع بمعنى أنه ليس على إرادة التوكيد (الصابئون) ليست على إرادة التوكيد بإنّ. و(الصابئون) معناها غير مؤكد وعلى غير إرادة إنّ، ولو أراد إنّ لنصب كلمة (الصابئون). إذن لماذا لم ينصب (الصابئون)؟ لأن من بين المذكورين في الآية (الصابئون) هم أبعدهم عن الإيمان. إذن فلماذا قدّمهم على النصارى؟ ليس بالضرورة أن يكون التقديم للأفضل ولكن التقديم هنا لمقتضى السياق. فالسياق في سورة المائدة هو ذمّ عقائد النصارى وأنهم كفروا بالله الواحد وجعلوا له شركاء (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴿٧٢﴾ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٧٣﴾) ولهذا قدّم الصابئون على النصارى لكن رفعها للدلالة على أنهم (الصابئون) أبعد المذكورين في الضلال ولأنهم أقلّ منزلة، وكأن النصارى أشد حالاً من الصابئين لكن بما أنهم أهل كتاب عطفهم على إسم إنّ بالنصب. وكلمة (الصابئون) تُعرب على أنها مبتدأ وقد تكون اعتراضية وخبرها محذوف بمعنى (والصابئون كذلك)، أما كلمة (النصارى) فهي معطوفة على ما قبلها.