الفرق بين ليال وأيام : اليوم هو من طلوع الشمس إلى غروبها (باختلاف المفهوم المستحدث السائد أن اليوم يشكل الليل والنهار)، أما الليل : هو من غروب الشمس إلى بزوغ الفجر. وقد فرّق بينها القرآن في قوله تعالى في سورة الحاقة :(سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴿٧﴾) وهذا هو التعبير الأصلي للغة. وفي آية سورة آل عمران لا يستطيع زكريا - عليه السلام - أن يكلّم الناس ثلاثة أيام بلياليهن لكن جعل قسم منها في سورة آل عمران وقسم في سورة مريم.
واختيار الليل في سورة مريم إضافة إلى أمر آخر في صلب المسألة لكن هناك ممهدات للقصة جعله يختار الليل في سورة مريم وهي: النداء الخفي (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً ﴿٣﴾) هذا النداء الخفي يذكّر بالليل لأن خفاء النداء يوحي بخفاء الليل فهناك تناسب بين الخفاء والليل.
ذكر ضعفه وبلوغ الضعف الشديد مع الليل (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) وكلمة (عتيّا) تعني التعب الشديد ؛ وقد ذكر في آيات سورة مريم مظاهر الشيخوخة كلها مع الليل ما لم يذكره في سورة آل عمران لأن الشيخوخة تقابل الليل وما فيه من فضاء وسكون والتعب الشديد يظهر على الإنسان عندما يخلد للراحة في الليل، أما الشباب فيقابل النهار بما فيه من حركة.
ويذكر في سورة مريم (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) يعني بعد الموت ؛ والموت هو عبارة عن ليل طويل ولم يذكر هذا الأمر في سورة آل عمران.
هذه كلها هي المقدمات والآن نأتي إلى صلب الموضوع: