والأمر الآخر قال في سورة النحل (مسخّرات) من باب القهر والتذليل ولا يناسب الرحمة وليس من باب الإختيار، بينما في سورة الملك جعل اختيار (صافّات ويقبضن) من باب ما يفعله الطير ليس فيها تسخير وإعطاء الإختيار من باب الرحمة ثم ذكر حالة الراحة للطير (صافّات) وهذا أيضاً رحمة. إذن لفظ (الرحمن) مناسب لسورة الملك ولفظ (الله) مناسب لسورة النحل.
٢٥٧- ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (الرحمن) في قوله تعالى في سورة مريم (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥)) مع أن الأمر متعلق بالعذاب ولم يقل مثلاً الجبّار؟
لو نظرنا إلى الآية التي سبقت هذه الآية نجد قوله تعالى :(يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤)) وقد ذكر فيها (الرحمن) أيضاً، وللعلم نلاحظ أن لفظ (الرحمن) تكرر في هذه السورة ١٦ مرة وهي أكثر سورة تكرر فيها لفظ (الرحمن) في القرآن. وهذا يدل على أن جو الرحمة يشعّ في السورة من قوله تعالى (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)) و (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)) (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (٥٣)) و (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦)).
أما السؤال نفسه فنرى أن الآية التي جاءت بعد الآية في السؤال (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)) وهنا لا يصح أن يقول "سأستغفر لك الجبّار" لأن المغفرة تُطلب من الرحمن وليس من الجبّار، ولعله تدركه الرحمة فيؤمن لأن إبراهيم - عليه السلام - كان حريصاً على إيمان أبيه آزر.