وهناك أمر آخر وهو أن كلمة "صبّار" لم تأت وحدها في القرآن كله وإنما تأتي دائماً مع كلمة "شكور" وهذا لأن الدين نصفه صبر ونصفه الآخر شكر كما في قوله تعالى في سورة إبراهيم (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥)) وفي سورة سبأ (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩)).
والآن نسأل لماذا استعمل صيغة "صبّار" على وزن (فعّال) ؟ وهذا السؤال يدخل في باب صيغ المبالغة وهو موضوع واسع لكننا نوجزه هنا فيما يخصّ السؤال.
صيغ المبالغة : مِفعال، فعّال وفعول كل منها لها دلالة خاصة.
مِفعال: (معطاء ومنحار ومعطار) هذه الصيغة منقولة من الآلة كـ (مفتاح ومنشار) فنقلوها إلى المبالغة، فعندما يقولون هو معطاء فكأنه صار آلة للعطاء، وقولنا "امرأة معطار" بمعنى زجاجة عطر أي أنها آلة لذلك.
والدليل على ذلك أن صيغة المبالغة هذه (مِفعال) تُجمع جمع الآلة ولا تُجمع جمع المذكر السالم ولا جمع المؤنث السالم، فنقول مثلاً مفتاح مفاتيح، ومنشار مناشير، ومحراث محاريث، ورجل مهذار ورجال مهاذير، فيجمع جمع الآلة، ولذلك لا يؤنث كالآلة :
يا موقد النار بالهندي والغار هيجتني حزناً يا موقد النار
بين الرصافة والميدان أرقبها شبّت لغانية بيضاء معطار
فلا نقول "معطارات" وإنما نجمع معطار على معاطير، فنقول : نساء معاطير ورجال معاطير، وامرأة مهذار ورجال مهاذير.. فهي من الصيغ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، ولا تجمع جمعاً سالماً، فلا نقول امرأة معطارة وإنما نقول : امرأة معطار ورجل معطار، ونجمعها جمع الآلة (معاطير) للرجال والنساء. هذه هي القاعدة