وتختلف المسألة في آية سورة عمران (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧)) والفرق هنا واضح من السياقين فسورة آل عمران كلها في التغيرات والأحداث التي تتجدد (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)) (إيتاء الملك ونزعه، تعز من تشاء وتذل من تشاء، تولج الليل وتولج النهار) كلها في التغيرات وليست في الثبات، أما آية سورة الأنعام فتبدأ في صفات الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥)) ذكر صفات الله تعالى أولاً وقال تعالى (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦)) وهنا نسأل لماذا قال تعالى (فالق الإصباح) و(جعل الليل سكناً) وما الفرق بين الإصباح والليل؟
الفرق هنا ظاهر لأن فالق الإصباح لم يُقيّده بأحد أو بمنتفع وهو فالق الإصباح سواء كان هناك من ينتفع أو لم يكن بينما قال (جعل الليل سكناً) قيّده بمنتفع وهو من يسكن فإن لم يكن هناك من يسكن وما يسكن لا يكون الليل سكناً وكذلك الشمس والقمر حسباناً لمن يحسِب فإن لم يكن هناك من يحسِب فلا يكون الشمس والقمر حسباناً. فالليل هنا لا يكون سكناً إلا إن وُجد من يسكن ومن يحسِب. فالأدوم هو فالق الإصباح أما جعل الليل سكناً فهو مُقيّد كما أسلفنا. ولو فرضنا أنه قد دُمّر كل شيء ولم يعد هناك أحد ينتفي عندها السكن والحسبان.