سوء أعمالهم).
ومما سبق نقول أن في قصة الخضر مع موسى - عليه السلام - في سورة الكهف جاء استعمال فعل (أردت) مع خرق السفينة لأن الله تعالى لا ينسب العيب إلى نفسه ونسب الخضر العيب إلى نفسه تأدباً مع الله تعالى كما فعل ابراهيم - عليه السلام - في قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) الشعراء) لم يقل أمرضني.
أما في حادثة الغلام ففيها جانب شر وهو قتل نفس زكية بغير نفس وجانب خير وهو الإبدال بخير منه فأصبح فيها مشترك فجاء لفظ (أردنا).
أما في قصة الجدار فالأمر كله خير فتحت الجدار كنز وأبو الغلامين كان صالحاً والأمر كله خير ليس فيه جانب سوء فأسند الفعل إلى الله تعالى فقال (أراد ربك).
٣٠٣- ما دلالة استعمال إسم المصدر وإسم الآلة في قوله تعالى في سورة المائدة آية ٤٨ (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)؟
أولاً ليس في الآية اسم مصدر ولا اسم آلة لأن الشِرعة ليست اسم مصدر والمنهاج ليست اسم آلة. الشِرعة في اللغة هي الطريق الموصل إلى الماء والشريعة هي الماء عند العرب فالعرب تُسمي شريعة مورد الماء الذي لا ينقطع وسبب التسمية لأن الماء به سبب الحياة الفانية والدين سبب الحياة الأبدية فالماء والشريعة هما للريّ والتطهر فالربط بينهما على أن كلاهما سبب الحياة.
أما صيغة مفعال فلا تختص بالآلة فقد تكون آلة (مهباج) وقد تكون مصدراً (مرصاد) وقد تكون للوقت (ميقات) وتستعمل للدلالة على المكان الذي يُضرب للحج (ميقات – مواقيت الحج). فالمنهاج هو مكان موضع وليس اسم آلة وإنما هو الطريق الواضح المستقيم. النهج هو الطريق الواضح والمنهاج هو الطريق الواضح المستقيم وهذا غير السبيل. فلما قال تعالى (شرعة ومنهاجا) قصد ما فيها من سبب الحياة الباقية والطريق الموصل إليها.


الصفحة التالية
Icon