(جعلناه): لم يذكر أموراً تتعلق بالإنزال، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) الزخرف) (أُمّ الكتاب) أين؟ في السماء، (لدينا) أين؟ عند الله عز وجل، (لعلي حكيم) أين؟ في العلو، إذن هذا ليس إنزالاً. ما يتعلق بالإنزال لأنه يتكلم وهو في السماء، في العلوّ، في الارتفاع قبل النزول: (أمّ الكتاب) أي اللوح المحفوظ، (لدينا) أي عند الله، (لعلي حكيم) مرتفع فيه سمو، فكيف يقول إنزال؟. أما الآية الأخرى فإنزال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣) يوسف) الوحي إنزال. (لدينا) ليست إنزالاً، أمّ الكتاب ليست إنزالاً فتحتاج لـ (جعلناه) وليس أنزلناه. نسأل: أيّ الأنسب أنه في مقام الإنزال يستعمل أنزلناه أو جعلناه؟ الأنسب أن يستعمل أنزلناه وفي مقام عدم الإنزال يستعمل (جعلناه). نضع الإنزال مع الوحي والإنزال (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ما كنت تعلمها أنت وقومك) يعني أنزلها إليك، هذه لا علاقة لها بأم الكتاب ولدينا وكلها إنزال.
هل العرب كانت تفهم وضع كلمة في مكانها هكذا وتعلم أن كل كلمة عاشقة لمكانها؟ البلغاء يعلمون ويعرفون في مظانّ الكلام ما لا نعرفه نحن إلا فيما يتعلق بالأمور العلمية التي استجدت فيما بعد هذه لا يعلمونها لكن فيما عدا ذلك يعلمون من مرامي الكلام ما لا نعلمه نحن ولذلك عندما تحداهم بسورة والسورة قد تكون قصيرة جداً لم يأتوا بشيء، لم يتحداهم بآية لأن الآية قد تكون كلمة (ألم) و(مدهامتان) آية، لكن تحداهم بسورة أو بما هو مقدار السورة. كل تعبير في القرآن بمقدار (إنا أعطيناك الكوثر) فهو معجز. أقصر سورة الكوثر هذه معجزة لأنه تحداهم بها أو الإخلاص. فأي كلام في القرآن بمقدار هذ فهو معجز.