وقد قال أحد علماء الفيلولوجيين أي علماء اللغات: إن لغة سكان أستراليا الأصليين لا تزيد مفرداتها على مائة لأنهم أبعد الناس على المدنية التي تستلزم مخالطة الأمم الأخرى وتبادل المنافع معها، فكلما عظمت اللغة دلت عظمتها وثروتها ووفرة ألفاظها على مخالفة أهلها لشعوب أخرى واقتباسها منهم فهي تعطي وتأخذ.. وقد أخبرنا القرآن أن قريشا كانت لهم رحلتان رحلة في الشتاء إلى جنوب الجزيرة العربية اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام وكانوا تجارا ينقلون البضائع من بلد إلى بلد، وكانت مكة شرفها الله تعالى مركزا عظيما للتجارة قبل الإسلام فكانت تنقل إليها البضائع من الشرق والغرب والجنوب والشمال فكيف يتصور أن لغة العرب تبقى مغلقة مختوما عليها لا تخرج منها كلمة ولا تدخلها كلمة. والأئمة الذين أنكروا وجود كلمات غير عربية في القرآن تمسكوا بظاهر قوله تعالى في صورة يوسف: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وقوله تعالى في سورة النحل١. ٣: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾، وما أشبه ذلك وهم على حق فيما قالوا، فليس في القرآن كلمة أعجمية باقية على عجمتها البتة، فكل ما في القرآن من الكلمات كانت تنطق به العرب وتفهمه وهو جار على سنن كلامها لا خلاف في ذلك نعلمه، إنما الخلاف في المعرب هل هو موجود في القرآن أم لا؟