والتَّدبُّرُ: النَّظرُ في أدبارِ الشَّيء، والتفكير في عاقبتِه.
وقد استُعملَ في كلِّ تأمُّلٍ يقعُ من الإنسانِ في حقيقةِ الشَّيءِ أو أجزائه أو سوابقِه أو لواحقه أو أعقابه(١).
وجاءَ على صيغةِ التَّفعُّلِ، ليدلَّ على تكلُّفِ الفعلِ، وحصولِه بعد جُهْدٍ، والتَّدبُّرُ: حصول النَّظرِ في الأمرِ المُتَدَبَّرِ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ.
وقد جاءَ الأمرُ بتدبُّرِ القرآنِ في أربعةِ مواضعَ من القرآنِ، والعجيبُ أنَّ آيتينِ نزلتْ في سياقِ المنافقينَ، وهما قوله تعالى: ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) [النساء: ٨٢]، وقوله تعالى: ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [محمد: ٢٤].
وجاءت آيتانِ في سياقِ الكفَّارِ، وهما قوله تعالى: ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ ) [المؤمنون: ٦٨]، وقوله تعالى: ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) [ص: ٢٩].
وتحتملُ آيةُ سورةِ ((ص)) أن يكون المؤمنونَ داخلونَ في الأمرِ بالتَّدبُّرِ، ويشهدُ له قراءةُ من قرأ: ( لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ) بالتاء(٢)، بمعنى: لتتدبَّره أنت يا محمد وأتباعُك(٣).

(١) ينظر: روح المعاني (٥: ٩٢).
(٢) هي قراءة أبي جعفر المدني من العشرة، وقد نُسِبَتْ إلى عاصم، ينظر: تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٣: ١٥٣)، والمحرر الوجيز، ط: قطر (١٢: ٤٥٢- ٤٥٣)، والنَّشر في القراءات العشر (٢: ٣٦١).
(٣) ينظر: تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٣: ١٥٣).


الصفحة التالية
Icon