وأما وجه تأويل من تأول ذلك: أنه الإماتة التي هي خروج الروح من الجسد، فإنه ينبغي أن يكون ذهب بقوله: ( وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً ) [البقرة: ٢٨] إلى أنه خطاب لأهل القبور بعد إحيائهم في قبورهم، وذلك معنى بعيد، لأن التوبيخ هنالك إنما هو توبيخ على ما سلف وفرط من إجرامهم، لا استعتاب واسترجاع، وقوله جل ذكره: ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً ) [البقرة: ٢٨] توبيخُ مستعتبٍ عبادَه، وتأنيبُ مسترجعٍ خلقَه من المعاصي إلى الطاعة ومن الضلالة إلى الإنابة، ولا إنابة في القبور بعد الممات، ولا توبة فيها بعد الوفاة.
وأما وجه تأويل قول قتادة-: ذلك أنهم كانوا أمواتًا في أصلاب آبائهم – فإنه عنى بذلك: أنهم كانوا نُطَفًا لا أرواح فيها، فكانت بمعنى سائر الأشياء الموات التي لا أرواح فيها، وإحياؤه إياها تعالى ذكره نفخه الأرواح فيها، وإماتته إياهم بعد ذلك قبضه أرواحهم، وإحياؤه إياهم بعد ذلك نفخ الأرواح في أجسامهم يوم ينفخ في الصور ويبعث الخلق للموعود.
وأما ابن زيد، فقد أبان عن نفسه ما قصد بتأويله ذلك، وأن الإماتة الأولى عنده إعادة الله – جل ثناؤه – عبادَه في أصلاب آبائهم بعد ما أخذهم من صلب آدم، وأن الإحياء الآخر هو نفخ الأرواح فيهم في بطون أمهاتهم، وأن الإماتة الثانية هي قبض أرواحهم للعود إلى التراب، والمصير في البرزخ إلى اليوم البعث، وأن الإحياء الثالث هو نفخ الأرواح فيهم لبعث الساعة ونشر القيامة.
وهذا تأويل، إذا تدبره المتدبر، وجده خلافًا لظاهر قول الله الذي زعم مفسِّره أن الذي وصفنا من قوله تفسيره، وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه عن الذين أخبر عنهم من خلقه أنهم قالوا: ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) [غافر: ١١]، وزعم ابن زيدٍ في تفسيره أن الله أحياهم ثلاث إحياءات وأماتهم ثلاث إماتات.


الصفحة التالية
Icon