وهو الذي يجمع مرويات المفسرين ويرجح بينها، وإمامُ هذه الطريقة ابنُ جرير الطبري (ت: ٣١٠) (١)، حيث كان يذكر ما وصله من المرويات التفسيرية عن السلف، ثمَّ يرجح بينها بقواعد الترجيح التي تعتبر من أهم ميزات كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن.
والمفسر الناقد صاحب رأي، لأنه يستعرض الأقوال المذكورة في الآية، ثمَّ يختار منها ما يراه راجحًا، فاختياره قولاً من الأقوال دون غيره رأيٌ وانجتهادٌ منه، ولذا فهو من الذين لهم رأي في التفسير.
الرابع- المفسر المتخيِّر قولاً واحدًا:
وهو أن يعمد المفسر إلى أقوال التفسير فيختار منها قولاً دون غيره، ولا يتعرَّض لنقد ما سواه، فهو في تخيره يوافق المفسر الناقد، غير أنَّ المفسر الناقد يتميز عنه بنقده الغالب لما لا يختار، وعمل المفسر المتخير شبيه بعمل بعض الفقهاء لكتب مذهبهم، حيث كتب بعضهم كتابًا على قول في المذهب، وأغلب المختصرات التفسيرية، كتفسير الجلالين، من هذا النوع، ويظهر أنَّ أول من قام بهذه الطريقة علي بن أحمد الواحدي (ت: ٤٦٨) الذي كتب ثلاث كتب في التفسير:
الأول: البسيط، وحشد فيه الأقوال، وتعرض فيه للترجيح.
الثاني: الوسيط، وهو أقلُّ عرضًا للأقوال والترجيح من البسيط.

(١) يقول الفاضل بن الطاهر بن عاشور في كتابه: التفسير ورجاله = (ص: ٢٨)، وهو يتحدث عن يحيى بن سلام البصري: ((... وهو الذي يعتبر مؤسس طريقة التفسير النقدي، أو الأثري النظري التي سار عليها ابن جرير واشتهر بها، ذلك هو تفسير يحيى بن سلام التميمي البصري الأفريقي، المتوفى سنة ٢٠٠... فبعد أني يورد الأخبار المروية مفتتحًا إسنادها بقوله: ((حدثنا))، يأتي بحكمه الاختياري مفتتحًا بقوله: ((قال يحيى))، ويجعل مبنى اختياره على المعنى اللغوي، والتخريج الإعرابي..)).


الصفحة التالية
Icon