فقال ابن عباس: هؤلاء الآيات نزلت عذراً للماضين، وحجّة على الباقين، عذراً للماضين؛ لأنهم لَقُوا الله قبل أن حرّم الله عليهم الخمر، وحجة على الباقين؛ لأن الله يقول: ((.. إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ..)) [المائدة: ٩٠] [المائدة: ٩٠]. حتى بلغ الآية الأخرى)(٦).
فانظر كيف خفي على هذا البدريّ (رضي الله عنه) حكم هذه الآية لمّا لم يكن يعلم سبب نزولها؟ وكيف لم تكن مشكَلة عند من علم سبب نزولها؟ فنزلها منزلتها، وبيّن معناها.
٢- أنهم عرفوا أحوال من نزل فيهم القرآن:
يقول الشاطبي ـ في بيان أهمية معرفة الأحوال في التفسير ـ: (ومن ذلك: معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل، وإن لم يكن ثَمّ سبب خاص، لا بدّ لمن أراد الخوض في علم القرآن منه، وإلا وقع في الشّبه والإشكالات التي يتعذّر الخروج منها إلا بهذه المعرفة) (٧).
أ -ومن الأمثلة التي تدلّ على أهمية معرفة أحوالهم في التفسير: ما رواه البخاري في تفسير قوله (تعالى): ((لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ..)) [البقرة: ١٩٨] عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (كانت عُكاظٌ ومجنّةٌ وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتأثّموا أن يَتّجِروا في المواسم، فنزلت ((لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ..)) في مواسم الحج)(٨).
أ- ومثله ما رواه البخاري عن عائشة (رضي الله عنهما) قالت: (كانت قريش ومن دَانَ دينها يقفون المزدلفة، وكانوا يسمّون الحُمْسُ، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم- أن يأتي عرفات، ثُمّ يقفَ بها، ثُمّ يُفِيِضَ منها، فذلك قوله (تعالى): ((ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ..)) [البقرة: ١٩٩] (٩).