ومنه: ما رواه الطبري عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: (تلا رسول الله يوماً ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد: ٢٤]، فقال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها، حتى يكون الله (عز وجل) يفتحها أو يفرجها، فما زال الشاب في نفس عمر (رضي الله عنه) حتى وُلّيَ فاستعان به)(٩).
الحالة الثانية : أن يُصَحّح الرسول فهمهم للآية :
ومثاله: تفسيرهم الظلم، في قوله (تعالى): ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ)) [الأنعام: ٨٢]، فقد فهم الصحابة أن الظلم عام يشمل جميع أنواعه، وذلك بقولهم: (وأينا لم يظلم نفسه)، فأخبرهم الرسول بالمراد بالظلم في الآية، وأنه الشرك(١٠).
ومنه حديث عدي بن حاتم، في قوله (تعالى): ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأََبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأََسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ)) [البقرة: ١٨٧] حيث عمد (رضي الله عنه) إلى عقالين: أبيض وأسود، ثم جعلهما تحت وسادة، ثم جعل ينظر إليهما في بعض الليل، فلم يستبينا، فلما أصبح أخبر الرسول بفعله، فأرشده الرسول إلى أن المراد بهما سواد الليل وبياض النهار(١١).
ففي هذين المثالين تلاحظ أن الصحابة فهموا الآية على معنى محتمل، لكنه غير المراد، فأرشدهم الرسول إلى المعنى المراد بالآية، ولم ينههم عن تفهّمِ القرآن إلا بالرجوع إليه.
حكم تفسير الصحابي :
لا يصلح إطلاق الحكم على تفسير الصحابي جملة من حيث الاحتجاج به أو عدمه، بل لابدّ من التفصيل في تفسير الصحابي.
لقد سبق ذكر أن الصحابة يجتهدون في التفسير، وهذا الاجتهاد عرضة للخطأ، لأن الواحد منهم غير معصوم حتى يقبل منه كل قوله.
ثم إن هذا الاجتهاد مدعاة لوقوع الاختلاف في التفسير، وبهذا لا يكون قول أحدهم حجة؛ لأن الصحابة إذا اختلفوا لم يكن قول بعضهم حجة على بعضٍ.
ويمكن تنزيل الحكم مقسّماً على مصادرهم: النقلية والاستدلالية.