فالجواب: أنه لا يُظنّ بابن عباس أنه يرجع إليهم في معرفة صفات الله، وهم من أهل التعطيل لها، فمثل هذه المسائل المتعلقة بالله لا تؤخذ إلا من المعصوم في خبره، وهو الرسول ﷺ.
ثم إن ابن عباس لم ينفرد بهذا التفسير، بل قد صحّ عن أبي موسى(١٥) مثل قول ابن عباس، وهذا مما يُعزّز قول ابن عباس، ويدل على تلقيه من الرسول، والله أعلم.
أما ما يثبت من هذه المغيبات أنه من الإسرائيليات فإنه ينظر إليه:
إن كان موافقاً لما في الكتاب والسنة قُبِلَ، وإن كان مخالفاً لهما رُدّ وترك، وإن لم تظهر فيه موافقة ولا مخالفة فالحكم فيه: التوقف، والله أعلم.
ثانياً : المصادر الاستدلالية (الاجتهاد) :
سبق تقسيم هذه المصادر إلى أربعة أقسام، وسيكون الحديث هنا عامّاً عنها.
والتفسير إما أن يكون بياناً عن لفظٍ، وإما أن يكون بياناً عن معنىً.
فإذا لم يحتمل اللفظ أو المعنى المراد إلا تفسيراً واحداً لا غير، فإن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه، وحكم هذا التفسير: القبول؛ لعدم احتمال غيره.
أما إذا وقع الاحتمال في الآية، فإن هذا مجال الاجتهاد والرأي، وإذا كانت الآية محتملة لأكثر من قول، فإن هذا الاجتهاد يحتمل أمرين:
الأول: أن يكون مما توافق عليه اجتهاد الصحابة (أو كان في حكمه؛ كالإجماع السكوتي) فإن هذا حجة يجب قبوله عنهم.
الثاني: أن يقع بينهم خلاف مُحقّق، ففي هذه الحالة لا يمكن القول بحجيّة هذه الأقوال، ولا بأحدها على الآخر؛ لأن قول أحدهم لا يكون حجة على الآخر، فلا يقال: معنى الآية كذا لأنه قول ابن عباس، مع وجود مخالفٍ له من الصحابة.
وإنما يكون عمل من بعدهم في مثل هذه الحالة الترجيح بدليل صالح للترجيح، ومحلّ هذا البحث موضع آخر، وهو قواعد الترجيح؛ لأن المراد هنا بيان ما يكون حجة وما لا يكون من أقوال الصحابة.. والله أعلم
الهوامش :
١) أخرجه أبو داود، كتاب العلم، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ح/٧٩٠. البيان