المفسرون الذين يجب الرجوع إلى أقوالهم، والأخذ بها، وعدم الخروج عنها هم الصحابة والتابعون وأتباعهم. فما جاء عنهم فإنه لازم لمن بعدهم ـ من حيث الجملة ـ ولا يجوز مخالفتهم.
وكان عدم الاعتماد على تفسيرهم من أهم أسباب بروز الرأي المذموم، كما يشير إليه شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨) بقوله: (وأما النوع الثاني من سببي الخلاف ـ وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل ـ فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حَدَثَتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، فإن التفاسير التي يُذكر فيها كلام هؤلاء صرفاً لا يكاد يوجد فيها شيءٌ من هاتين الجهتين)(١٨).
ولما كان لهؤلاء السلف من تقدّمٍ في العلم شهد لهم به كل من جاء بعدهم من العلماء؛ فإن الاعتماد على أقوالهم مدعاة للخروج عن الرأي المذموم، ولذا جعل ابن جرير من شروط المفسر أن لا يكون تأويله وتفسيره خارجاً عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة والخلف من التابعين وعلماء الأمة(١٩). ويجب التنبه إلى أن كل من رجع إلى أقوالهم وتخيّر منها، فإنه قائل بالرأي؛ لأن تخيره معتمد على عقله كما فصل ابن جرير الطبري في تفسيره.
النوع الثاني: الرأي المذموم وصوره في التفسير:
الرأي المذموم في التفسير هو القول في القرآن بغير علم، سواءً أكان عن جهلٍ أو قصورٍ في العلم أم كان عن هوى يدفع صاحبه إلى مخالفة الحق، وقد سبق بيان ذلك مع أدلة النهي عنه.
ومن صور الرأي المذموم ما يلي:
١- تفسير ما لا يعلمه إلا الله:
وهو أحد أوجه التفسير التي أوردها ابن عباس، ويشتمل على أمرين:
أحدهما: تكييف المغيبات التي استأثر الله بعلمها؛ كتكييف صفاته ـ سبحانه ـ، أو غيرها من المغيبات.
ثانيها: تحديد زمن المغيبات التي ورد ذِكْرُ خروجها؛ كزمن خروج الدابة، أو نزول عيسى، أو غير ذلك.
فهذه الأشياء لا سبيل للبشر إلى معرفتها؛ فمن زعم أنه قادرٌ على ذلك فقد أعظم الفرية على الله.
٢- من ناقض التفسير المنقول أو أعرض عنه: