إن تفسير ابن جرير من أكبر كتب التفسير بالرأي، غير أنه رأي محمود؛ لاعتماده على تفسير السلف وعدم خروجه عن أقوالهم، مع اعتماده على المصادر الأخرى في التفسير.
كما أن تفسيره من أكبر مصادر التفسير المأثور عن السلف، وفَرْقٌ بين أن نقول: فيه تفسير مأثور، أو أن نقول: هو تفسير بالمأثور؛ لأن هذه العبارة تدل على أنه لا يذكر غير المأثور عن السلف، وتفسير ابن جرير بخلاف ذلك؛ إذ هو مع ذكر أقوالهم يرجِّح ويعلِّل لترجيحه، ويعتمد على مصادر التفسير في الترجيح.
ولكي يَبِين لك الفرق في هذه المسألة: وازن بين تفسيره وتفسير عَصْرِيّهِ ابنِ أبي حاتم (ت: ٣٢٧) الذي لا يزيد على ذكر أقوال السلف، وإن اختلفت أقوالهم فلا يرجح ولا يعلق عليها، أليس بين العالمين فرق؟
وأخيراً.. هذه بعض قضايا في التفسير بالرأي، والموضوع يحتاج إلى بحث أعمق وأطول، والله الموفق.
الهوامش:
(١) انظر: مقدمة جامع التفاسير، ٩٣-٩٧.
(٢) انظر: حاشية ٧، ص ١٤٨، من كتاب التيسير في قواعد علم التفسير للكافيجي، وقد استفاد شمس الدين من الراغب؛ كما يظهر بالموازنة بين قوليهما، وقد نقل عن شمس الدين كلّ من: الكافيجي في التيسير ١٤٥-١٤٨، والسيوطي في الإتقان، ٤/١٨٥.
(٣) انظر: مقدمة جامع التفاسير للراغب (تحقيق: أحمد فرحات) ٩٦، وعنه نقل الكافيجي في التيسير، ١٤٨.
(٤) تفسير الطبري (ط: شاكر)، ١/٧٥.
(٥) انظر: البرهان للزركشي، ١/٩٢. (٦) ذم الكلام للهروي (تحقيق: سميح دغيم)، وشعب الإيمان للبيهقي، ٥/٢٣٢.
(٧) تهذيب اللغة، ٣/٧٣. (٨) تهذيب اللغة للأزهري، ٩/٢٠.
(٩) القُصّاص: قوم جلسوا للوعظ والتذكير، وهم يذكرون آياتٍ وأحاديث يستشهدون بها في أحاديثهم مع الناس.
(١٠) الناسخ والمنسوخ للنحاس (تحقيق: اللاحم) ١/٤١٠، ومما ينبغي التنبّه له أن النسخ عند السلف أوسع من اصطلاح الأصوليين؛ حيث يشمل كل إزالة تكون في الآية.