١٩- قوله تعالى :﴿وأهديك إلى ربك فتخشى﴾ ؛ أي : أدلك وأرشد إلى الطريق الموصول لمن ملكك بربوبيته، وهو الاستسلام لله، فيخضع قلبك ويلين ويطيع، بعد أن كان قاسياً بعيداً عن الخير(١).

(١)... علق ابن القيم في كتابه (التباين في أقسام القرآن : ٨٨) على ما في هاتين الآيتين من لين الخطاب، أنقله بطوله لما فيه من الفائدة : قال :"ثم أمره أن يخاطبه بألين خطاب، فيقول :﴿فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى ﴾ [النازعات : ١٨ –١٩]، ففي هذا من لطف الخطاب ولينه وجوه :
... أحدها : إخراج الكلام مخرج العرض، ولم يخرجه مخرج الأمر والإلزام، هو ألطف، ونظيره قول إبراهيم لضيفه المكرمين :﴿ألا تأكلون﴾ [الذاريات : ٢٧] ولم يقل : كلوا.
... الثاني : قوله ك ﴿إلى أ، تزكى﴾، والتزكي : النماء والطهارة والبركة والزيادة، فعرض عليه أمراً يقبله كل عاقل ولا يرده إلا كل أحمق جاهل.
... الثالث : قوله :﴿تزكى﴾ ولم يقل : أزكيك، فأضاف التزكية إلى نفسه، وعلى هذا يخاطب الملوك.
... الرابع : قوله :﴿وأهديك﴾ ؛ أي : أكون دليل لك، وهادياً بن يديك. فنسب الهداية إليه، والتزكى إلى المخاطب ؛ أي : أكون دليلاً لك وهادياً، فتزكى أنت، كما تقول للرجل : هل لك أن أدلك على كنز تأخذ منه ما شئت ؟ وهذا أحسن من قوله : أعطيتك.
... الخامس : قوله :﴿إلى ربك﴾، فإن في هذا ما يوجب قبول ما دل عليه، وهو أن يدعوه ويوصله إلى ربه : فاطره وخالقه الذي أوجده، ورباه بنعمه : جنيناً، وصغيراً، وكبيراً، وآتاه الملك. وهو نوع من خطاب الاستعطاف والإلزام : كما تقول لمن خرج عن طاعة سيده : ألا تطيع سيدك ومولاك ومالكك. وتقول للولد : ألا تطيع أباك الذي رباك................ =


الصفحة التالية
Icon