تدور مادَّةُ ((فَسَرَ)) في لُغةِ العربِ على معنى البيانِ والكشفِ والوضوحِ(١)، ومما وردَ في ذلكَ: فَسَرْتُ الذِّراعَ: إذا كشفتُها. وفسَّرتُ الحديثَ: إذا بيَّنتُه.
وقد زعم قومٌ أنَّ ((فَسَرَ)) مقلوبٌ من ((سَفَرَ)) (٢)، وهذا القولُ ليسَ بسديدٍ، لأنَّ الأصلَ أن يكون للفظةِ ترتيبُها، ودعوى القلبِ خلافُ الأصلِ.
كما أنه يكونُ لها المعنى الخاصُّبها الذي تستقلُّ به. واشتراكُها مع غيرِها في معنى أصل المادَّةِ لا يعني أنَّها مشتقَّةٌ منها، ولو ادُّعي العكسُ لما كان هناك ما يبيِّنُ صحَّةَ إحدى الدَّعويينِ.
قال الآلوسيُّ (ت: ١٢٧٠): ((والقول بأنه مقلوب السَّفر، مما لا يسفر له وجه)) (٣).
والصَّحيحُ أنَّه كما بين المادَّتين تقاربٌ في اللَّفظِ، فكذلك بينهما تقاربٌ في المعنى، كما قاله الرَّاغبُ الأصفهانيُّ (ت: بعد ٤٠٠) (٤).
هذا، وقد اختلفتْ عباراتُ العلماءِ في البيان عن معنى التَّفسيرِ في الاصطلاحِ، وجاءوا بعباراتٍ شَتَّى، وقد اجتهدتُ في معرفةِ الصحيحِ منها في بيانِ مصطلحِ التَّفسيرِ، ورأيتُ أنَّ المرادَ بالتَّفسيرِ بيان المعنى الَّذي أرادَه اللهُ بكلامِه، فانطلقتُ من المعنى اللُّغويِّ للَّفظةِ، وهو البيانُ أو الكشفُ أو الشَّرحُ أو الإيضاحُ، وجعلتُه أصلاً أعتمده في تحديدِ المرادِ بالتَّفسيرِ.

(١) ينظر في ذلك: مقاييس اللُّغةِ، لابن فارس (٤: ٥٠٤). وينظر مادة ((فسر)) في معاجم اللغة.
(٢) ينظر على سبيل المثال: مقدمتان في علوم القرآن (ص: ١٧٣)، والبرهان في علوم القرآن (٢: ١٤٧)، والتيسير في قواعد علم التفسير (ص: ١٣٢).
(٣) روح المعاني (١: ٤).
(٤) ينظر: مقدمة جامع التَّفاسير، للراغب، تحقيق: الدكتور أحمد حسن فرحات (ص: ٤٧).


الصفحة التالية
Icon