... ٤- قوله تعالى :﴿وإذا القبور بعثرت﴾ ؛ أي : وإذا القبور التي دفن بها الموتى أثيرت وقلبت، فجعل أعلاها أسفلها، فخرج ما بها(١).
... ٥- قوله تعالى :﴿علمت نفس ما قدمت وأخرت﴾ ؛ أي : علمت كل نفس الذي عملته من أعمال الخير والشر، والذي لم تعلمه منهما(٢)

(١)... قال ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة : بحثت.
... وقد ذكر بعض المفسرين المتأخرين أن هذه اللفظة يجوز أن تكون من باب النحت ؛ أي : أن أصلها من كلمتين، فنحت منهما هذه اللفظة، كالبسملة المنحوتة من "بسم الله"، وقالوا أصلها من : بعث وأثار، وقال آخرون أصلها ك بعث، وضمت إليها الراء (انظر : التحرير والتنوير)، وهذه الأقوال لا داعي لها ما دام للفظة معنى معروف في لغة العرب، وليس لها مستند لغوي سوى التخمين والاشتباه............................ =
(٢)... يلاحظ أن الفعلين :"فجرت" و "بعثرت" جاءا ماضيين كسابقيهما، غير أنهما اختلف عنهما بمجيئهما على صيغة المفعول اهتماماً بالحدث ذاته دون فاعله، والله أعلم.
( )... هذا جواب إلا في الآيات الأربع السابقة، والقول في هذا الجواب كالقول في قوله تعالى :﴿علمت نفس ما احضرت ﴾ في سورة التكوير.
... وقد اتفق السلف في تفسير المقدم والمؤخر على أنه العمل، واختلفت عباراتهم فيه على أقوال :
... الأول : علمت ما قدمت من عمل صالح، وما أخرت من سنة يعمل بها بعد موتها، وهو قول محمد بن كعب القرظي.
... الثاني : ما قدمت من الفرائض، وما أخرت من الفرائض فضيعتها، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، وعكرمة من طريق سعيد بن مسروق، وقتادة من طريق معمر وسعيد، وابن زيد.
... الثالث : ما قدمت من خير أو شر، وما أخرت من خير أو شر، وهو قول إبراهيم التيمي من طريق العوام.
... ورجح الطبري القول الأول، فقال :"وإنما اخترنا القول الذي ذكرناه ؛ لأن كل ما عمل العبد من خير أو شر، فهو مما قدمه، وأن ما ضيع من حق الله عليه وفرط فيه فلم يعمله، فهو ما قد قدم من شر، وليس ذلك مما أخر من العمل : لأن العمل هو ما عمله، فأما ما لم يعمله، فإنما هو سيئة قدمها، فلذلك قلنا : ما أخر هو ما سنه من سنة حسنة وسيئة مما إذا عمل به العامل، كان له مثل أجر العامل بها أو وزره".
... ولو حُمل المعنى على العموم، لكان وجهاً أوفق، ويكون المؤخر بمعنى المتروك مما لم يعمل به، وتكون السنة التي يعمل بها بعده داخلة فيما قدم، وهذا يعني أن هذه التفاسير السلفية أمثلة العمل مقدم وآخر مؤخر، وأعمها قول إبراهيم التيمي، وليس بين هذا الأقوال على هذا السبيل تعارض، بل هي راجعة إلى معنى واحد وهو العموم، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon