٢٢- ٢٤- قوله تعالى :﴿إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوهم نضرة النعيم﴾ ؛ إن الذين بروا باتقاء الله وأداء فراضه لفي تنعم دائم لا يزول، وذلك في الجنة، التي يجلسون على سررها المزينة في الغرف(١)، ينظرون – وهم عليها – إلى ما آتاهم الله من النعيم، وأعلى هذا النعيم رؤية الباري جل وعز(٢). وإذا رأيتهم، فإنك ترى أثر التنعم على وجوههم بما يظهر عليها من الحسن والبهاء.
٢٥- ٢٦- قوله تعالى :﴿يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ ؛ أي : يسقيهم خدمهم من خمر الجنة(٣) الذي قد خلط بالمسك، وجعل في نهايته(٤)

(١)... الأرائك هي السرر في الحجال، والحجلة : المكان المزين والمهيأ.
(٢)... يلاحظ أن مفعول ينظرون محذوف، والتقدير العام أنهم ينظرون إلى ما نعم الله عليهم من نعيم الجنة، وأعلى هذا النعيم رؤية الله سبحانه، ويكون في هذا مقابلة لعذاب الكفار بحجبهم عن رؤية الرب الوارد في قوله تعالى :﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون﴾، والله أعلم.
(٣)... فسر السلف الرحيق بخمر الجنة، ورد ذلك عن عبد الله بن مسعود من طريق مسروق، وبن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح ومنصور، وقتادة من طريق معمر وسعيد، والحسن من طريق أبي رجاء، وابن زيد، وذكر له شاهداً من شعر حسان.
(٤)... اختلف عبارة السلف في تفسير " مختوم وختامه" على ثلاثة أقوال :
... الأول : ممزوج مخلوط، ورد ذلك عن ابن مسعود من طريق علقمة ومسروق، وعلقمة من طريق يزيد بن معاوية.
... الثاني : أن آخر شرابهم من الخمر يجعل فيه مسك، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، وقتادة من طريق معمر وسعيد، والضحاك من طريق عبيد، وإبراهيم النخعي والحسن من طريق أبي حمزة.
... الثالث : مطين بمسك ؛ أي : غطاؤه من مسك، ورد ذلك عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وابن زيد.
... وقد رجح ابن جرر أن المعنى : عاقبته ونهايته مسك، فقال :"وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، قول من قال : معنى ذلك آخره وعاقبته مسك ؛ أي : هي طيبة الريح، إن ريحها في آخر شربهم يختم لها بريح المسك.
... وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة ؛ لأنه لا وجه للختم في كلام العرب إلا الطبع والفراغ ؛ كقولهم : ختم فلان القرآن : إذا أتى على آخره، فإذا كان لا وجه للطبع على شراب أهل الجنة يفهم إذا كان شرابهم جارياً الماء في الأنهار، ولم يكن معتقاً في الدنان، فيطين عليها وتختم، تعين أن الصحيح من ذلك الوجه الآخر، وهو العاقبة والمشروب آخراً، وهو الذي يختم به الشراب.
... وأما الختم بمعنى : المزج، فلا نعلمه مسموعاً من كلام العرب ".
... وهذا الترجيح مبني على أمرين :
... الأول : أن خمر الجنة نهر كنهر الماء فلا يتصور فيه أن يكون له غطاء من المسك، وهذا صحيح، إلا إن ورد في الأحاديث ما يدل على وجود خمر في الدنان. وبهذا التعليل رد قول مجاهد وابن زيد.
... الثاني : أنه لم يعلم من كلام العرب : ختامه : خلطه ومزجه، ورد بهذا على القول الذي رواه عن ابن مسعود وعلقمة، وهذا فيه نظر ؛ لأن هؤلاء الذين فسروا من العرب، وكلامهم في اللغة حجة، فلم لم يقبل تفسيرهم ؟‍‍! ولو وازنت هذا الموضع بما ورد عنه في تفسيره للفظ الدلوك في قوله تعالى ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس﴾ [الإسراء : ٧٨]، لتبين لكأنه قد خالف ما قعده هناك حيث جعل كلام ابن مسعود حجة في اللغة، ولم يبين هنا سبباً في رده هذا القول غير ما قاله، وهو غير صحيح، إذ عدم=


الصفحة التالية
Icon