٦- ٨- قوله تعالى :﴿ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلد﴾ : ألم تنظر يا محمد ﷺ بعين قبلك إلى ما فعل الله بقبيلة عاد إرم(١) ذات البيوت التي يقوم بناؤها على الأعمدة ؛ كالخيام أو غيرها(٢)

(١)... ورد ذلك عن قتادة من طريق معمر، قال :"قبيلة من عاد، كان يقال لهم إرم : جد عاد"، وكذا ورد عن ابن إسحاق. وقد ورد عن بعض السلف تفسير إرم بأنها مدينتهم، فعن محمد بن كعب القرظي : الإسكندرية، وعن المقبري : دمشق، وورد عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح تفسير إرم بالقديمة، وعنه من طريق أبي يحيى : أمة، وفسرها ابن عباس من طريق العوفي، والضحاك من طريق عبيد بالهالك.
... قال الطبري :"والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن إرم إما بلدة كانت عاد تسكنها، فلذلك ردت على عاد للاتباع لها، ولم يجر [يعني : ينون} من أجل ذلك، وأما اسم قبيلة، فلم يجر أيضا كما لا تجرى أسماء القبائل، كتميم وبكر، وما أشبه ذلك إذا أرادوا به القبيلة، وأما اسم عاد فلم يجر، إذ كان اسماً أعجمياً.
... فأما ما ذكر عن مجاهد أنه قال : القديمة، فقول لا معنى له، لأن ذلك لو كان معناه، لكان مخفوضاً بالتنوين، وفي ترك الإجراء الدليل على أنه ليس بنعت ولا صفة............. =
(٢)... وأشبه الأقوال فيه بالصواب عندي : إنها اسم قبيلة من عاد، ولذلك جاءت القراءة بترك إضافة عاد إليها وترك إجرائها، كما يقال : ألم تر ما فعل ربك بتميم نهشل ؟ فيترك إجراء نهشل، وهي قبيلة، فترك إجراؤها لذلك، وهي في موضع خفض بالرد على تميم، ولو كانت إرم اسم بلد أو اسم جد لعاد لجاءت القراءة بإضافة عاد إليها، كما يقال : هذا عمرو زبيد، وحاتم طيء، وأعش همدان، ولكنها اسم قبيلة منها فيما أرى، كما قال قتادة، والله أعلم، فلذلك أجمعت القراء فيهاعلى ترك الإضافة وترك الإجراء ".
( )... ورد عن مجاهد من طرق ابن أبي نجيح :"أهل عمود لا يقيمون"، وكذا ورد عن قتادة من طريق معمر، وقال ابن زيد :"عاد قوم هود بنوها وعملوها حين كانوا بالأحقاف".
... وقال الضحاك من طريق عبيد :"يعني : الشدة والقوة".
... قال ابن جرير الطبري :"وأشبه الأقوال في ذلك بما دل عليه ظاهر التنزيل، قول من قال : عني بذلك أنهم كانوا أهل عمود سيارة ؛ لأن المعروف في كلام العرب من العماد : ما عمل به الخيام من الخشب والسواري التي يحمل عليها البناء، ولا يعلم بناء كان لهم بالعباد بخبر صحيح، بل وجه أهل التأويل قوله :﴿ذات العماد﴾ إلى أنه عني به طول أجسامهم، وبعضهم إلى أنه عني به عماد خيامهم، فأما عماد البنيان، فلا يعلم كثير أحد من أهل التأويل وجهة إليه، وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب من معانيه ما وجد إلى ذلك سبيل دون الأنكر".


الصفحة التالية
Icon