١٧-٢٠- قوله تعالى ﴿كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحضون على طعام المسكين * وتأكلون التراث أكلا لما * وتحبون المال حبا جما﴾ ؛ أي : ليس الأمر كما يعتقد هذا الكافر في دليل إكرام الله وإهانته(١)، ولكنكم لا تنفعون من مات عنه أبوه وهو دون سن البلوغ، فتنعمون عليه بإعطائه مما أعطاكم الله، ولا يحث بعضكم بعضاً على إعطاء الطعام لمن أصابته الفاقة والمسكنة، وأنتم تأخذون ما يرثه مع ما ترثونه أخذاً بالباطل، فتأكلونه جميعاً(٢)

(١)... قال قتادة :"ما أسرع ما كفر ابن آدم، يقول الله جعل ثناؤه : كلا أنا لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا، ولا أهين من أهنت بقلتها، ولكن إنما أكرم من أكرمت بطاعتي، وأهلين من أهنت بمعصيتي". وقد ذكر الطبري قولاً آخر، ثم قال :"وأولى القولين في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرنا عن قتادة لدلالة قوله :﴿بل لا تكرمون اليتيم﴾ والآيات التي بعدها على أنه إنما أهان من أهان بأنه لا يكرم اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، وفي إبانته عن السبب الذي من أجله أهان من أهان الدلالة الواضحة على سبب تكريمه من أكرم، وفي تنبيه ذلك عقيب قوله :﴿فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ﴾ بيان واضح عن الذي أنكر من قوله ما وصفنا ".
(٢)... التراث : الميراث، قاله الحسن من طريق أشعث، وقتادة من طريق سعيد. وفي معنى الأكل اللم عبارات عن السلف : فعن ابن عباس من طريق العوفي، وقتادة من طريق سعيد، والضحاك من طريق عبيد :"تأكلون أكلاً شديداً}.
... وعن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة :"يقول : سفا".
... وعن الحسن من طريق يونس :"نصيبه ونصيب صاحبه".
... وعن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح :"اللم، السف، لف كل شيء".
... وقال ابن زيد :"الأكل اللم : الذي يأكل كل شيء يجده ولا يسأل، فأكل الذي له والذي لصاحبه، كانوا لا يرثون النساء، ولا يرثون الصغار، وقرأ :﴿ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء التي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان﴾ ؛ [النساء : ١٢٧] أي : لا تورثونهن أيضاً ﴿أكلا لما﴾ : يأكل ميراثه وكل شيء، لا يسأل عنه، ولا يدري أحلال أم حرام ؟ ".
... وهذا تفسير جامع لمعنى هذه الآية، وعبر بكر المزني عن ذلك بأحضر من هذا فقال :"اللم : الاعتداء في الميراث، يأكل ميراثه وميراث غيره". والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon