٥- قوله تعالى :﴿أيحسب أن لن يقدر عليه أحد﴾ ؛ أي : أيظن هذا الإنسان الكافر المخلوق في كبد أنه لا أحد يقهره ويغلبه ؟!
٦- قوله تعالى :﴿يقول أهلكت مالا لبدا﴾ ؛ أي : يقول هذا الكافر المغتر بقوته : أنفقت مالاً متراكماً بعضه على بعض من كثرته، وهو إنما أهلكه في الباطل، فيفتخر بذلك.
٧- قوله تعالى :﴿أيحسب أن لم يره أحد﴾ ؛ أي : أيظن هذا الكافر أن الله لم يطلع عليه، وهو ينفق ماله في الباطل ؟!
٨-١٠- قوله تعالى :﴿ألم نجعل له عينين * ولسان وشفتين * وهديناه النجدين﴾ : يقول الله : ألم نجعل لهذا الإنسان عينين يبصر بهما، ولساناً وشفتين ينطق بهما ويعبر عما يريد، وأرشدناه وبينا له طريق الخير والشر ؟، كما قال تعالى :﴿إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلته سمعياً بصيراً﴾ [الإنسان : ٢] (١)

(١)... الأول : كبد عام يشترك فيه كل الناس، وهو مكابدة أمور الدنيا، وهو ما أشار إليه السلف.
... الثاني : كبد خاص بالكافر، وذلك بسبب كفره وإعراضه عن الله، وكثرة ما يعبده من الآلهة، قال الطاهر بن عاشور، وهو معنى قوي متجه في الآية، يدل عليه قول الله :﴿ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا﴾ [طه : ١٢٤] والله أعلم.
( )... كذا فسر جمهور السلف هذه الآية، ورد ذلك عن عبد الله بن مسعود من طريق زر وأبي وائل، وابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، وعكرمة من طريق سماك، ومجاهد من طريق منصور وابن أبي نجيح، والضحاك من طريق عبيد، وابن زيد، وقرأ :﴿وهديناه النجدين﴾، ورواه الحسن وقتادة عن النبي ﷺ مرسلاً.
... وورد تفسير آخر، وهو هديناه إلى الثديين : سبيلي اللبن الذي يتغذى به، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق عيسى بن عقال عن أبيه، والضحاك من طريق جويبر، وقال الربيع بن خثيم :"أما إنهما ليسا بالثديين"، فرد هذا القول، مع أن له وجه في النظر ؛ لأنه يناسب المنة بجعل العينين واللسان والشفتين للإنسان، ويكون المعنى : أنه هداه لرضاعة لبن أمه، وهو لا يدرك، ولا شك أن من هداه لهذا الامر الذي به حياته، فإنه سيبين له طريق ا لخير والشر كما قاله الآخرون.
... وقولهم في تفسير النجدين أولى كما قال الطبري :"وأولى القولين بالصواب في ذلك عندنا قول من قال : عنى بذلك طريق الخير والشر، وذلك أنه لا قول في ذلك نعلمه غير هذين القولين اللذين ذكرنا، والثديان، وإن كانا سبيلي اللبن، فإن الله تعالى ذكره إذ عدد على العبد نعمة بقوله :﴿إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلته سمعياً بصيراً﴾ [الإنسان : ٢]، إنما عدد عليه هدايته إياه إلى سبيل الخير من نعمه، فكذلك قوله :﴿وهديناه النجدين﴾.


الصفحة التالية
Icon