وقالت طائفة: يرفع المصلي يديه حين يفتتح الصلاة، ولا يرفع فيما سوى ذلك، هذا قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي.
قلت: وهو المشهور من مذهب مالك لحديث ابن مسعود، خرَّجه الدارقطني من حديث إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله قال: ((صلَّيتُ مع النبي ﷺ ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنه، فلم يرفعوا أيديهم إلا أولاً عند التكبيرة الأولى في افتتاح الصلاة)).
قال إسحاق: به نأخذ في الصلاة كلها.
قال الدارقطني: تفرد به محمد بن جابر، وكان ضعيفًا عن حمَّاد عن إبراهيم. وغيرُ حمَّاد يرويه عن إبراهيم مرسلاً، عن عبدالله من فعله، غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب.
وقد روى يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن البراء: ((أنه رأى النبي ﷺ حين افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، ثم لم يعد إلى شيء من ذلك حتى فرغ من الصلاة)).
قال الدارقطني: وإنما لُقِّنَ يزيد في آخر عمره: ((ثم لم يعد)) فَتَلَقَّنَهُ. وكان قد اختلط.
وفي (مختصر ما ليس في المختصر) عن مالك: لا يرفع اليدين في شيء من الصلاة.
قال ابن القاسم: ولم أر مالكًا يرفع يديه عند الإحرام. قال: وأَحَبُّ إليَّ تركُ رفع اليدين عند الإحرام)) (١).
وكُلُّ هذا محلُّه كتبُ الفقهِ، لا كتب التَّفسيرِ، وهو من التَّوسُّعِ بسببِ بروع القرطبيِّ (ت: ٦٧١) في علمِ الفقه، ولأجلِ أَنَّه قصد إبرازَ ما يتعلَّقُ بالآيةِ من أحكامٍ فقهيَّةٍ من أيِّ وجه كان هذا التَّعَلقُ، ولا يلزم من هذا أن يكونَ كلُّ ما ذكره من مسائل الفقه هو من التَّفسيرِ، والله أعلمُ.

(١) الجامع لأحكام القرآن (٢٠: ٢٢٠- ٢٢٢).


الصفحة التالية
Icon