وزاد من جاء بعده بعض العلوم، كعلوم البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع، وجعلها ثلاثة علوم مستقلة(١).
وإذا كانت مهمة المفسِّر بيان معاني القرآن، فإنَّه عند تأمُّل هذه العلوم، وفحصها سيظهر ما يأتي:
أنَّ بعضها لا يلزم المفسِّرَ معرفتها، كعلم البلاغة وعلم أصول الفقه.
وأنَّ بعضها يكفيه منها مبادىء العلم دون الدخول في تفصيلته، كعلم النحو.
وأنَّ بعضها يحتاج منه جزءًا معيَّنًا، كمعرفة دلالة الألفاظ من علم اللغة.
ولا شكَّ أنَّ من حصَّل هذه العلوم كان أوسع بحثًا وتقريرًا في تفسيرِه، لكنه فيما يكون خارجَ حدِّ البيان عن معاني القرآن، والله أعلم.
مفهوم التأويل
تدورُ كلمةُ ((أَوَلَ)) في اللُّغةِ على معنى الرُّجوعِ(٢).
وهذا يعني تأويلَ الكلامِ هو الرُّجوعُ به إلى مرادِ المتكلِّمِ، وهو على قسمين:
(٢) جعل الراغبُ (ت: بعد ٤٠٠) في مفردات ألفاظِ القرآنِ (ص: ٩٩) التَّأويل من الأوْلِ، أي: الرُّجوع إلى الأصلِ، وجعل ابن فارس (ت: ٣٩٥) في مقاييس اللُّغةِ (١: ١٥٨) مادَّة ((أول)) ترجعُ إلى أصلين: ابتداءُ الأمرِ، وانتهاؤه)). ويظهرُ أنَّهما يشتركانِ في معنى الرُّجوعِ الذي نصَّ عليه الرَّاغبُ (ت: بعد ٤٠٠)، ولو جُعِلَ أصلاً واحدًا لكانَ أَوْلَى. فالأوَّل من الأشياءِ يرجعُ إليه ما بعدَه مما تأخَّرَ عنه. وآل الرَّجل: عشييرتُه التي يرجعُ إليها، وآلَ جسمُ الرَّجلِ: إذا نَحُفَ، كأنه يرجع إلى هذه الحالةِ، والإيالةُ: السياسةُ، لأنها مرجعُ الرَّعيَّةِ، والموئل: للموضع الذي يُرجَعُ إليه، وكذا غيرها مما في هذه المادَّةِ فإنه يرجع إلى هذا الأصل.