لقد كان المعنيانِ السَّابقانِ في مفهومِ التَّأويلِ هما اللَّذان سارَ عليهما متقدِّمو الأمُّةِ من الفقهاءِ والمفسِّرينَ واللُّغويِّين(١)، ولم يرد عنهم غيرُ هذين المعنيين، حتى ظهر اصطلاحٌ ثالثٌ حادثٌ على اللُّغةِ ومصطلحِ القرآنِ، وقد صارَ المراد بالتَّأويلِ مشكلاً بسببِ بروز هذا المصطلحِ الحادثِ.
والتَّأويلُ بالاصطلاحِ الحادثِ: صرفُ اللَّفظِ عن ظاهرِه إلى معنى مرجوحٍ لقرينةٍ تدلُّ عليه.
وممن ورد عنه ذلك، ابن حزم (ت: ٤٥٦)، قال: ((التأويل: نقل اللفظ عَمَّا اقتضاه ظاهره وعَمَّا وُضِعَ له في اللُّغة = إلى معنى آخر، فإن كان نقله قد صحَّ ببرهان، وكان ناقله واجب الطاعة = فهو حق. وإن كان نقله بخلاف ذلك، أطُّرِحَ ولم يلتفت إليه، وحُكِمَ لذلك النَّقل بأنه باطل)) (٢).
وأبو الوليد الباجي (ت: ٤٧٤)، قال: ((التَّأويلُ: صرف الكلامِ عن ظاهره إلى وجه يحتملُه)) (٣).

(١) لقد دخل هذا الاصطلاح الحادث في بعض كتب اللغة المتأخرة، وستجده في مادة (أول) في كتاب لسان العرب نقلاً عن ابن الأثير، وفي كتاب تاجِ العروس نقلاً عن صاحب جمع الجوامع وابن الكمال وابن الجوزي، وهذا النقول ليست من تحرير مدلول اللفظ في اللغة، بل هي ذكر لما استقر عليه مصطلح الأصوليين لمعنى التأويل، لذا لا يُغترُّ بذكرهم له في كتب اللغة، والله الموفق.
(٢) الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم (١: ٤٣).
(٣) الحدود، للباجي (ص: ٤٨).


الصفحة التالية
Icon