وقال ابن الأثير (ت: ٦٠٦): ((وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)): هو من آل الشيء يؤول إلى كذا، أي: رجع وصار إليه.
والمراد بالتأويل: نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها ((كان النبي ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك يتأول القرآن)): تعني أنه مأخوذ من قوله تعالى: (( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ) [النصر: ٣](١).
ومنه حديث الزهري، قال: ((قلت لعروة: ما بال عائشة تُتِمُّ في السَّفر – يعني: الصلاة – قال: تأوَّلت كما تأوَّل عثمان، أراد بتأويل عثمان: ما روي عنه أنه أتَمَّ الصَّلاة بمكة في الحج، وذلك أنه نوى الإقامة بها)) (٢).
فكيف يُحمل كلامُ رسولِ الله ﷺ على مصطلحٍ حدث بعده بمدة طويلة؟!.
إنَّ مما تقع فيه الغفلةُ أنْ تُحكَّمَ مصطلحات متأخرةٌ في الظهورِ على ألفاظِ الشرعِ، أو كلام السابقين، فيقع بذلك التحريف أو التخطئةُ للعلماء، وهذا مبحث مهم من مباحث العلم تحتاج إلى تجليةٍ ليس هذا محلُّها، ولعل في هذا المثال غُنْيَةً وبيانًا عن هذه الفكرةِ، والله الموفق.
تنبيه:
من الملاحظ أن صاحب لسان العرب نقل كلام ابن الأثير، لأن كتاب ابن الأثير أحد مصادر ابن منظور، فلا يُحتجُّ بهذا أنه وارد في معاجم اللغة، وكذا الحال في تاج العروس، فقد نقله ونقل أقوال غيره، وهذا مما دخل في هذه المعاجم اللغوية، وليس له أصل في لغة العربِ(٣).
سبب ظهور هذا المصطلح الحادث:

(١) أين نقل اللفظ عن وضعه الأصلي هنا؟! إنَّ المسألة ظاهرة، وهي أنَّه يطبِّق ما أُمرَ به من التسبيح والاستغفار.
(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر (١: ٨٠- ٨١).
(٣) ينظر نقلهما في مادة (أول) من كتابيهما.


الصفحة التالية
Icon