وقال الآلوسي (ت: ١٢٧٠): ((وعندي أنه إن كان المراد الفرق بينهما بحسب العرف، فكل الأقوال فيه ما سمعتها وما لم تسمعها مخالفة للعرف اليوم، إذ قد تعارف من غير نكير(١) أن التأويل: إشارةٌ قدسيةٌ، ومعارفُ سبحانيةٌ تنكشف من سُجُفِ العباراتِ للسالكين، وتنهلُّ من سُحُبِ الغيبِ على قلوب العارفين، والتفسيرُ غيرُ ذلك(٢).
وإن كان المراد الفرق بينهما: يحسب ما يدل عليه اللفظ مطابقة، فلا أظنك في مرية من رد هذه الأقوال.
أو بوجه ما، فلا أراك ترضى إلا أن في كل كشف إرجاعًا، وفي كل إرجاع كشفًا فافهم)) (٣).
وهذه النقول تدلُّ على وجود إشكال عند هؤلاء العلماء في الفرق بين التفسير والتأويل، والذي يظهر عليها كلها أنه تخصيصاتٌ لا دليل عليها، وتفريقات لا يستقيم لها وجه، فكلُّ واحدٍ منهم يرى ما لا يراه الآخر، وتراهم لم يثبتوا على قولٍ سوى وجود الفرق، ثمَّ اختلفوا في بيانه.
وتحقيق الأمر في ذلك كما يأتي:
بعد أن تبيَّنَ أنَّ التفسيرَ يتعلَّقُ ببيانِ المعنى، وأنَّ التَّأويلَ له مفهومانِ صحيحانِ: أحدُهما يوافقُ معنى التَّفسيرِ، والآخر يرادُ به ما تؤول [أي: ترجع] إليه حقيقةُ الشيء، أي: كيف تكونُ، فإنَّ ملاك القولِ في ذلكَ أن يُقالَ:
إنَّ لهذه الفروق احتمالين:
الاحتمال الأول: أن ترجع الفروق إلى أحد هذه المعاني الصحيحة المذكورة في مصطلحِ التَّأويلِ.

(١) هذا من غرائب الآلوسي عفا الله عنه – فمن أين له أنه قد تعورف على هذا من غير نكير ؟!.
(٢) كأنه يجعل التأويل الإشارات التي يفسر بها المتصوفة كلام الله سبحانه، وهذا غير سديد، وليس عليه دليلٌ أنه هو التأويل لا من نقل ولا عقل.
(٣) روح المعاني (١: ٥).


الصفحة التالية
Icon