وأنَّها أظهر وأشهر للخلق من بقر الوحش والظباء، فلا أحد يخفى عليه معرفة النجومِ، وإن خفي عليه معنى الخنوس والجريان والكنوس فيها، أمَّا بقر الوحش والظباء فإنَّ بعض الناس قد لا يعرفُها وكثير منهم لا يعرف أمر خنوسها وجريانها وكنوسها.
فإذا اخترت هذا المحتمل فأنت مؤوِّلٌ عند الماتريدي (ت: ٣٣٠).
لكن هل تسمية هذا الأسلوب – وهو ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة – تأويلاً = صحيحٌ؟.
ألست قد فسَّرتَ وبيَّنتَ المعنى المراد، فأنت – إذًا – باختيارك هذا المعنى دون غيره لو قلت: تأويل هذه الآية كذا، أو تفسير هذه الآية كذا، لكان الأمر واحدًا ولا فرق.
وبهذا يظهر أنك سواءً قطعت أو لم تقطع، فأنت مؤوِّلٌ، أي: مفسرٌ، ولا معنى لتخصيص التأويل بأنه ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا، والله أعلم.
الاحتمال الثاني: أن لا يرجع شيءٌ من هذه الفروق إلى هذه المعاني الصحيحةِ، ومن ثمَّ، فإنَّه قولٌ غيرُ مقبولٍ، لأنَّه مخالفٌ لمصطلح القرآنِ، ومصطلح السَّلفِ واللُّغةِ. ولأنه لا دليلَ عليه من نقل ولا عقل.
وبهذا يكونُ ما وردَ في بيانِ مصطلحِ التَّفسيرِ والتَّأويلِ الواردِ عن السَّلفِ وأهلِ اللُّغةِ أصلاً يقاسُ عليه ما يذكرُه المتأخِّرُون من فروقٍ.
مسألة: هل في مصطلح التأويل الحادث حظٌّ من الصِّحة في تطبيقه على بعض الأمثلة؟
إنَّه إذا عُلِمَ أنَّ المتكلِّمَ أراد المعنى الذي يقال: إنَّه خلافُ الظَّاهرِ، فإنَّه إمَّا أن يكونَ من بيانِ كلامِ المتكلِّمِ، فيكونُ من باب التَّفسيرِ، وإمَّا أن يكونَ هو الحقيقةُ التي يؤولُ إليها الكلامُ، فإذا كان ذلك كذلك كان تأويلاً صحيحًا مندرجًا تحت هذين النَّوعينِ، وإن سُمِّيَ بهذا الإسمِ، لأنَّ العبرةَ بصحَّةِ المعنى المذكورِ.


الصفحة التالية
Icon